للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقام أبو بكر إليه فأخذ بيده وقال: إن عصابة أنت منها يا أبا الحسن لمعصومة، وإن أمة أنت فيها لمرحومة، ولقد أصبحت عزيزا علينا، كريما لدينا، نخاف الله إذا سخطت، ونرجوه إذا رضيت، ولولا أنى شدهت (١)، لما أجبت إلى مادعيت إليه، ولكنى خفت الفرقة، واستئثار الأنصار بالأمر على قريش، وأعجلت عن حضورك ومشاورتك، ولو كنت حاضرا لبايعتك ولم أعدل بك، ولقد حطّ الله عن ظهرك ما أثقل كاهلى به، وما أسدّ من ينظر الله إليه بالكفاية، وإنا إليك لمحتاجون، وبفضلك عالمون، وإلى رأيك وهديك فى جميع الأحوال راغبون، وعلى حمايتك وحفيظتك (٢) معوّلون، ثم انصرف وتركه مع عمر، فالتفت علىّ إلى عمر فقال:

يا أبا حفص والله ما قعدت عن صاحبكم كارها له (٣)، ولا أتيته فرقا منه، ولا أقول ما أقول تعلّة (٤)، وإنى لأعرف مسمى (٥) طرفى، ومحطّ قدمى، ومنزع قوسى، وموقع سهمى، ولكن قد أزمت على فأسى (٦) ثقة بربى فى الدنيا والآخرة، وقد تخلفت إعذارا إلى الله وإلى من يعلم الأمر الذى جعله لى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتيت فبايعت حفظا للدين، وخوفا من انتشار أمر الله.

فقال له عمر رضى الله عنه: كفكف غربك، واستوقف سربك (٧) ودع العصا بلحائها، والدّلاء على رشائها (٨)، فإنّا من حلفها وورائها، إن قدحنا أورينا،


(١) شده. دهش.
(٢) الحفيظة: اسم بمعنى المحافظة والحفاظ.
(٣) وفى ابن أبى الحديد «جزعا على ما صار إليه».
(٤) التعلة والعلالة: ما يتعلل به.
(٥) اسم مكان من سما وكذا ما بعده.
(٦) الفأس من اللجام: الحديدة القائمة فى الحنك.
وأزم الفرس على فأس اللجام كضرب: قبض وعض. والمعنى هنا: كتمت ما فى نفسى.
(٧) الغرب: الحدة. والسرب: القطيع. وفى ابن أبى الحديد «كفكف من غربك، ونهنه من سربك» ونهنهه عن الأمر: كفه وزجره. والسرب: النفس.
(٨) اللحاء: القشر. والرشاء: الحبل.

<<  <  ج: ص:  >  >>