للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للخلاف، ولا إنكارا للمعروف، ولا زراية على مسلم، بل لما قد وقذنى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من فراقه، وأودعنى من الحزن لفقده، وذلك أننى لم أشهد بعده مشهدا إلا جدّد علىّ حزنا، وذكرنى شجنا (١)، وإن الشوق إلى اللحاق به كافّ عن الطمع فى غيره، وقد عكفت على عهد الله أنظر فيه، وأجمع ما تفرق منه، رجاء ثواب معدّ لمن أخلص لله عمله، وسلّم لعلمه ومشيئته، وأمره ونهيه، على أنى ما علمت (٢) أن التظاهر علىّ واقع. ولا عن الحق الذى سيق إلىّ دافع، وإذ قد أفعم (٣) الوادى بى، وحشد النادى من أجلى، فلا مرحبا بما ساء أحدا من المسلمين وسرّنى؛ وفى النفس كلام، لولا سابق عقد، وسالف عهد، لشفيت غيظى بخنصرى وبنصرى، وخضت لجّته بأخمصى ومفرقى (٤) ولكننى ملجم إلى أن ألقى الله ربى، وعنده أحتسب ما نزل بى، وإنى غاد إن شاء الله إلى جماعتكم، مبايع صاحبكم، صابر على ما ساءنى وسرّكم، ليقضى الله أمرا كان مفعولا، وكان الله على كل شئ شهيدا».

قال أبو عبيدة: فعدت إلى أبى بكر رضى الله عنه. فقصصت عليه القول على غرّه (٥)، ولم أختزل شيئا من حلوه ومرّه، وبكرّت غدوة (٦) إلى المسجد، فلما كان صباح يومئذ، إذا علىّ يخترق الجماعة إلى أبى بكر رضى الله عنهما فبايعه، وقال خيرا، ووصف جميلا، وجلس زمّيتا (٧)، واستأذن للقيام فمضى، وتبعه عمر مكر ما له مستثيرا لما عنده.


(١) وقذه: صرعه وسكنه وغلبه وتركه عليلا. والشجن: الهم والحزن.
(٢) وفى ابن أبى الحديد «على أنى أعلم».
(٣) أى ملئ.
(٤) الخنصر بكسر الخاء والصاد. وبفتح الصاد. الإصبع الصغرى. البنصر: الإصبع بين الوسطى والخنصر. والمعنى: لشفيت غيظى بيدى. والأخمص من باطن القدم: ما لم يصب الأرض. المفرق كمقعد ومجلس:
وسط الرأس. وهو الذى يفرق فيه الشعر.
(٥) الغر: كل كسر منثن فى ثوب أو جلد. ويقولون:
اطو الثوب على غره. أى على كسره الأول كما كان مطويا. والمعنى هنا: على أصله.
(٦) الغدوة: البكرة. أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس.
(٧) الزميت ككريم: الوقور. والزميت كسكيت: أوقر منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>