للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتجزع الماء ممزوجا بدم، وحينئذ تاسى (١) على ما مصى من عمرك، ودارج قوّتك (٢) فتودّ أن لو سقيت بالكأس التى أبيتها، ورددت إلى حالتك التى استغويتها، ولله تعالى فينا وفيك أمر هو بالغه، وغيب هو شاهده، وعاقبة هو المرجوّ لسرّائها وضرّائها، وهو الولى الحميد الغفور الودود».

*** قال أبو عبيدة: فمشيت متزمّلا أنوء كأنما أخطو على أمّ رأسى، فرقا (٣) من الفرقة، وشفقا على الأمة، حتى وصلت إلى علىّ رضى الله عنه فى خلاء، فأبثثته (٤) بثّى كله، وبرئت إليه منه، ورفقت به، فلما سمعها ووعاها، وسرت فى مفاصله حميّاها، قال: حلّت معلوّطة (٥)، وولّت مخروّطة. وأنشأ يقول:

إحدى لياليك فهيسى هيسى ... لا تنعمى الليلة بالتّعريس (٦)

نعم يا أبا عبيدة، أكلّ هذا فى أنفس القوم يحسّون به ويضطبعون (٧) عليه؟

قال أبو عبيدة. فقلت: لا جواب لك عندى، إنما أنا قاض حقّ الدّين، وراتق فتق المسلمين، وسادّ ثلمة الأمة، يعلم الله ذلك من جلجلان (٨) قلبى، وقرارة نفسى.

فقال على رضى الله عنه: «والله ما كان قعودى فى كسر (٩) هذا البيت قصدا


(١) أسى كفرح: حزن.
(٢) وفى ابن أبى الحديد «وانقضى وانقرض من دارج قومك، وتود أن لو سقيت بالكأس التى سقيتها غيرك، ورددت إلى الحال التى كنت تكرهها فى أمسك». درج القوم: انقرضوا.
(٣) متزملا: أى متلففا، وفى ابن أبى الحديد «متباطئا» وناء بالحمل: نهض مثقلا. الفرق: الخوف.
(٤) أبثثته السر: أظهرته له. والبث: الحال. ورفق به وعليه مثلثة.
والحميا من كل شئ: شدته. حميا الكأس: سورتها وشدتها وأخذها بالرأس. وحميا الشباب: أوله ونشاطه.
(٥) يقال: اعلوط فلان رأسه. إذا ركب رأسه وتقحم على الأمر بغير روية. واخروط البعير فى سيره: إذا أسرع.
(٦) هاس يهيس هيسا: سار أى سير كان. وهو مثل يضرب للرجل يأتى الأمر يحتاج فيه إلى الجد والاجتهاد. وعرس القوم: نزلوا فى آخر الليل للاستراحة كأعرسوا والأول أكثر.
(٧) اضطبع الشئ: أدخله تحت ضبعيه- أى عضديه- والمعنى هنا يشتملون عليه وينطوون. وفى شرح ابن أبى الحديد: «يستبطنونه ويضطغنون عليه» والاضطغان: الاشتمال أيضا.
(٨) جلجلان القلب: حبته.
(٩) أى فى جانبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>