للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أضخم من منكبك، وقربى أمسّ من قرباك، وسنّ أعلى من سنك، وشيبة أورع من شيبتك، وسيادة لها أصل فى الجاهلية، وفرع فى الإسلام، ومواقف ليس لك فيها جمل ولا ناقة (١)، ولا تذكر منها فى مقدّمة ولا ساقة (٢) ولا تضرب فيها بذراع ولا إصبع، ولا تخرج منها ببازل ولا هبع (٣)، ولم يزل أبو بكر حبّة قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلاقة نفسه، وعيبة سره، ومفزع رأيه ومشورته، وراحة كفّه، ومرمق (٤) طرفه، وذلك كلّه بمحضر الصادر والوارد من المهاجرين والأنصار، شهرته مغنية عن الدليل عليه.

ولعمرى إنك أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة، ولكنه أقرب منك قربة (٥)، والقرابة لحم ودم، والقربة نفس وروح، وهذا فرق عرفه المؤمنون ولذلك صاروا إليه أجمعون، ومهما شككت فى ذلك، فلا تشكّ أن يد الله مع الجماعة، ورضوانه لأهل الطاعة، فادخل فيما هو خير لك اليوم، وأنفع لك غدا، والفظ من فيك ما يعلق بلهاتك، وانفث سخيمة صدرك عن تقاتك، فإن يك فى الأمد طول، وفى الأجل فسحة، فستأكله مريئا أو غير مرئ (٦)، وستشربه هنيئا أو غير هنئ، حين لا رادّ لقولك إلا من كان آيسا منك، ولا تابع لك إلا من كان طامعا فيك، يمضّ إهابك ويعرك أديمك، ويزرى على هديك، هنالك تقرع السّنّ (٧) من ندم،


(١) من أمثال العرب «لا ناقتى فى هذا ولا جملى» قاله الحارث بن عباد البكرى حين قتل جساس ابن مرة كليبا وهاجت الحرب بين بكر وتغلب، وكان الحارث اعتزلهما.
(٢) ساقة الجيش: مؤخره.
(٣) جمل وناقة بازل وبزول كصبور: وذلك فى تاسع سنيه، وليس بعده سن تسمى. والهبع: الفصيل فى آخر النتاج.
(٤) علاقة السيف بالكسر: حمالته. والعلاقة بالفتح ويكسر: الحب الملازم للقلب. رمقه كنصره:
نظر إليه، وفى ابن أبى الحديد «وعلاقة همه، وعيبة سره، ومثوى حزنه، وراحة باله، ومرمق طرفه».
(٥) القربة: الوسيلة
(٦) اللهاة: اللحمة المشرفة على الحلق. السخيمة: الحقد، والتقاة:
التقوى. وأصلها وقية قلبت واوها المضمومة تاء كما فى تؤدة وتخمة، والياء ألفا. ومرأ الطعام مثلثة الراء مراءة فهو مرئ هنئ حميد المغبة.
(٧) مضه يمضه بضم الميم وفتحها، وأمضه: آلمه وأحرقه.
الإهاب: الجلد. وكذا الأديم. وزرى عليه وأزرى: عابه. وقرع سنه: حرقه ندما.

<<  <  ج: ص:  >  >>