للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضياء رسالة، وثمرة حكمة، وأثرة رحمة، وعنوان نعمة، وظلّ عصمة، بين أمة مهدية بالحق والصدق، مأمونة على الرّتق والفتق، لها من الله تعالى قلب أبىّ، وساعد قوىّ ويد ناصرة، وعين باصرة.

أتظنّ ظنّا يا علىّ أن أبا بكر وثب على هذا الأمر مفتاتا على الأمة، خادعا لها، ومتسلّطا عليها؟ أتراه امتلخ أحلامها، وأزاغ أبصارها، وحلّ عقودها، وأحال عقولها، واستلّ من صدورها حميّتها (١)، ونكث رشاءها (٢)، وصبّ ماءها، وأضلّها عن هداها، وساقها إلى رداها، وجعل نهارها ليلا، ووزنها كيلا، ويقظتها رقادا، وصلاحها فسادا؟ إن كان هكذا فإنّ سحره لمبين، وإنّ كيده لمتين، كلّا والله بأى خيل ورجل، وبأى سنان ونصل، وبأى منّة وقوة، وبأى مال وعدّة، وبأى أيد وشدة، وبأى عشيرة وأسرة، وبأى قدرة ومسكنة، وبأى تدرّع وبسطة (٣)؟ لقد أصبح بما وسمته منيع الرّقبة، رفيع العتبة، لا والله لكن سلا عنها فولهت (٤) له، وتطامن لها فلصقت به، ومال عنها فمالت إليه، واشمأزّ دونها فاشتملت عليه، حبوة حباه (٥) الله بها، وعاقبة بلّغه الله إليها، ونعمة سربله الله جمالها، ويد أوجب الله عليه شكرها، وأمة نظر الله به إليها، وطالما حلّقت فوقه فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم وهو لا يلتفت إليها، ولا يرتصد وقتها، والله تعالى أعلم بخلقه، وأرأف بعباده، يختار، ما كان لهم الخيرة (٦)، وإنك بحيث لا يجهل موضعك من بيت النبوة، ومعدن الرسالة، وكهف الحكمة، ولا يجحد حقّك فيما آتاك ربك من العلم، ومنحك من الفقه والدين، هذا إلى مزايا خصصت بها، وفضائل اشتملت عليها، ولكن لك من يزاحمك بمنكب


(١) امتلخها: انتزعها. الأحلام: جمع حلم بالكسر وهو العقل. الحمية: الأنفة.
(٢) نكث الحبل: نقضه. والرشاء: الحبل.
(٣) رجل: جمع راجل وهو ضد الفارس. والمنة: القوة. والأيد: القوة أيضا، وكذا المكنة.
البسطة: السعة.
(٤) الوله بالتحريك: ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد، وفعله كفرح
(٥) حباه: أعطاه. والحيوة مثلثة، والحباء ككتاب: العطاء.
(٦) الخيرة: اسم من الاختيار.

<<  <  ج: ص:  >  >>