للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو رفق، وقد جدع الله بمحمد صلى الله عليه وسلم أنف كل ذى كبر، وقصم ظهر كل جبّار، وقطع لسان كل كذوب، فماذا بعد الحق إلا الضلال، ما هذه الخنزوانة التى فى فراش رأسك؟ ما هذا الشّجا المعترض فى مدارج أنفاسك؟ ما هذه القذاة (١) التى أعشت ناظرك؟ وما هذه الوحرة (٢) التى أكلت شراسيفك (٣)؟ وما هذا الذى لبست بسببه جلد النّمر (٤) واشتملت عليه بالشّحناء والنّكر؟

لشدّ ما استسعيت (٥) لها، وسريت سرى أنقد (٦) إليها، إن العوان لا تعلّم الخمرة (٧) ما أحوج الفرعاء إلى فالية (٨) وما أفقر الصّلعاء إلى حالية، ولقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمر مقيّد محبّس، ليس لأحد فيه ملمس، لم يسيّر فيك قولا، ولم يستنزل لك قرآنا، ولم يجزم فى شأنك حكما، لسنا فى كسرويّة كسرى، ولا فى قيصرية قيصر، تأمّل لإخوان فارس وأبناء الأصفر، قد جعلهم الله جزرا (٩) لسيوفنا، ودريئة لرماحنا، ومرمى لطعّاننا، وتبعا لسلطاننا، بل نحن فى نور نبوّة،


(١) الخنزوانة: الكبر. فراش الرأس: عظام رقاق تلى القحف. ألشجا ما اعترض فى الحلق من عظم ونحوه. القذى: ما يقع فى العين والشراب.
(٢) الوحرة: وزغة تكون فى الصحارى أصغر من العظاءة (بكسر العين) وهى على شكل سام أبرص. وقيل: الوحرة: ضرب من العظاء وهى صغيرة حمراء تعدو فى الجبابين لها ذنب دقيق تمضغ به إذا عدت وهى أخبث العظاء، لا تطأ طعاما ولا شرابا إلا شمته، ولا يأكله أحد إلا أخذه قئ وربما هلك آكله. والوحر بالتحريك أيضا: غش الصدر وبلابله، ويقال: إن أصل هذا من تلك الدويبة شبهوا العداوة ولزوقها بالصدر بالتزاق الوحرة بالأرض.
(٣) شراسيف جمع شرسوف: كعصفور وهو غضروف معلق بكل ضلع، أو مقط الضلع وهو الطرف المشرف على البطن.
(٤) من أمثالهم «ليست له جلد النمر» أى تنكرت له. مثل يضرب فى إظهار العداوة الشديدة وكشفها. وقالوا أيضا: بنمر له أى تنكر وتغير، وأصله من النمر لأنه من أنكر السباع وأخبثها، ولا تلقاه أبدا إلا متنكرا غضبان. قالوا وكانت ملوك العرب إذا جلست لقتل إنسان لبست جلود النمر ثم أمرت بقتل من تريد قتله.
(٥) يريد به «سعيت» أو هو على بابه أى لشد ما طلبت إلى نصرائك أن يسعوا حتى تنال الخلافة، وفى كتب اللغة استسعى العبد: كلفه من العمل ما يؤدى به عن نفسه إذا أعتق بعضه ليعتق به ما بقى.
(٦) أنقد: اسم للقنفذ معرفة لا يصرف، كقولهم: أسامة للأسد وذؤالة للذئب. ومن أمثالهم «أسرى من أنقد» و «بات بليلة أنقد» إدا بات ساهرا، وذلك أن القنفذ يسرى ليله أجمع، لا ينام الليل كله.
(٧) العوان من النساء: التى كان لها زوج. والخمرة: اسم هيئة من الاختمار، وهو لبس الخمار بالكسر (ما نسميه بالطرحة) أى أنها لا تحتاج إلى تعليم الاختمار، وهو مثل يضرب للرحل المجرب.
(٨) الفرعاء: التامة الشعر. فالية: اسم فاعل من فلى رأسه من القمل يفليه كفلاه.
(٩) تركهم جزرا للسباع والطير أى قطعا. والدريئة: الحلقة يتعلم عليها الطعن والرمى.

<<  <  ج: ص:  >  >>