للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسك فرقتهم، واختلاف كلمتهم، ولا تشق نفسك بنا خاصّة منهم، واترك ناجم الحقد حصيدا (١)، وطائر الشر واقعا، وباب الفتنة مغلقا، فلا قال ولا قيل، ولا لوم ولا تعنيف، ولا عتاب ولا تثريب (٢)، والله على ما نقول شهيد، وبما نحن عليه بصير».

*** قال أبو عبيدة: فلما تأهّبت للنهوض، قال عمر رضى الله عنه: كن لدى الباب هنيهة (٣) فلى معك دور من القول، فوقفت وما أدرى ما كان بعدى، إلا أنه لحقنى بوجه يبدى (٤) تهلّلا وقال لى: قل لعلىّ:

«الرّقاد محلمة، والهوى مقحمة (٥)، «وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ»، وحق مشاع أو مقسوم، ونبأ ظاهر أو مكتوم، وإن أكيس الكيسى (٦) من منح الشارد تألّفا، وقارب البعيد تلطّفا، ووزن كل شئ بميزانه، ولم يخلط خبره بعيانه، ولم يجعل فتره مكان شبره، دينا كان أو دنيا، ضلالا كان أو هدى، ولا خير فى علم مستعمل فى جهل، ولا خير فى معرفة مشوبة بنكر، ولسنا كجلدة رفغ البعير بين العجان والذّنب، وكل صال فبناره يصلى (٧)، وكل سيل فإلى قراره يجرى، وما كان سكوت هذه العصابة إلى هذه الغاية لعى (٨) وشىّ، ولا كلامها اليوم لفرق


(١) نجم النبات: طلع وظهر. حصيدا: محصودا.
(٢) فى صبح الأعشى «ولا تبيع» وهو تصحيف وصوابه «تبيغ» وتبيغ عليه الأمر: اختلط. والدم: هاج وغلب. والتثريب: اللوم.
(٣) هن كأخ معناه شئ، وهو كناية عن كل اسم جنس، والأنثى هنة بفتح النون. وقالوا هنت بالتاء ساكنة النون فجعلوه بمنزلة بنت وأخت، ولامها محذوفة، ففى لغة هى هاء فيصغر على هنيهة، ومنه يقال: مكث هنيهة أى قليلا من الزمان، وفى لغة هى واو فيصغر على هنية، وقيل هنية هو القياس، وهنيهة على إبدال الهاء من الياء فى هنية.
(٤) فى صبح الأعشى «يندى» كيفرح،
(٥) قحم فى الأمر كنصر: رمى بنفسه فيه فجأة بلا روية.
(٦) الكيس كشمس: خلاف الحمق، وهو كيس كجيد والجمع كيسى كمرضى.
(٧) الرفغ بالضم والفتح: أصل الفخد من باطن، وكل موضع يجتمع فيه الوسخ من الجسد، كالإبط وغيره. العجان: الاست. ووجه الشبه الخسة وضعة المنزلة، صلى النار كفرح وصلى بها: قاسى حرها.
(٨) العى: الحصر. الشى: إتباع له. قالوا جاء بالعى والشى وفلان عي شى وشوى، وما أعياه وأشياه وأشواه: وفى ابن أبى الحديد «لعى وحصر، ولا كلامها اليوم لفرق وحذر». الفرق: الخوف.

<<  <  ج: ص:  >  >>