للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا حائط ولا رابط، ولا ساقى ولا واقى، ولا هادى ولا حادى (١)؟ كلّا! والله ما اشتاق إلى ربه تعالى، ولا سأله المصير إلى رضوانه وقربه، إلا بعد أن ضرب المدى، وأوضح الهدى، وأبان الصّوى، وأمّن المسالك والمطارح، وسهّل المبارك والمهايع (٢)، وإلّا بعد أن شدخ يا فوخ الشرك بإذن الله، وشرم وجه النفاق لوجه الله سبحانه. وجدع أنف الفتنة فى ذات الله، وتفل فى عين الشيطان بعون الله، وصدع (٣) بملء فيه ويده بأمر الله عزّ وجل.

وبعد، فهؤلاء المهاجرون والأنصار عندك ومعك فى بقعة واحدة، ودار جامعة، إن استقالونى (٤) لك، وأشاروا عندى بك، فأنا واضع يدى فى يدك، وصائر إلى رأيهم فيك، وإن تكن الأخرى فادخل فى صالح ما دخل فيه المسلمون، وكن العون على مصالحهم، والفاتح لمغالقهم (٥)، والمرشد لضالّتهم، والرادع لغوايتهم، فقد أمر الله تعالى بالتعاون على البرّ والتقوى والتناصر على الحق، ودعنا نقضى هذه الحياة الدنيا بصدور بريئة من الغلّ، ونلقى الله تعالى بقلوب سليمة من الضّغن.

وبعد، فالناس ثمامة (٦) فارفق بهم، واحن عليهم، ولن لهم، ولا تسوّل لك


(١) عننت الفرس وأعننته: حبسته بالعنان، وفى صبح الأعشى «مغبونة» وهو تصحيف، وفى ابن أبى الحديد «ملوية» والذائد: الدافع، وفى صبح الأعشى «زائد» وهو تحريف، وحائط: أى حافظ وصائن من حاطه، وفى ابن أبى الحديد «خابط» وهو تحريف. والحادى: سائق الابل.
(٢) المدى: الغاية، والمعنى: بين الغاية. والصوى جمع صوة كقوة: وهى حجر يكون علامة فى الطريق. والمطارح: الأماكن البعيدة، طرحه: أبعده، والطروح كصبور: المكان البعيد، وطرحت به النوى كل مطرح: أى نأت به. والمهايع: جمع مهيع كمقعد، وهو الطريق البين.
(٣) شدخ: كسر، واليافوخ: ملتقى عظم مقدم الرأس ومؤخره. وشرمه كضرب: شقه، وجدع أنفه: قطعه. وتفل كنصر وضرب: بصق. وصدع كمنع: جهر، وقيل فى قوله تعالى:
«فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ» أى شق جماعاتهم بالتوحيد أو اجهر بالقرآن أو اظهر أو احكم بالحق وافصل بالأمر أو اقصد بما تؤمر أو افرق به بين الحق والباطل.
(٤) وفى ابن أبى الحديد «إن استقادوا لك» واستقاد له: أعطاه مقادته له وانقاد له.
(٥) المغالق جمع مغلق كمنبر: وهو ما يغلق به الباب كالمغلاق.
(٦) الثمامة: واحدة الثمام، وهو نبت ضعيف قصير لا يطول، وفى حديث عمر «اغزوا والغزو حلو خضر قبل أن يصير ثماما ثم رماما، ثم حطاما».

<<  <  ج: ص:  >  >>