للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكافرين، فهدى الله للحق من أجاب إليه، وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذنه من أدبر عنه، حتى صار إلى الإسلام طوعا وكرها، ثمّ توفّى الله رسوله صلى الله عليه وسلم وقد نفّذ لأمر الله، ونصح لأمته، وقضى الذى عليه، وكان الله قد بيّن له ذلك ولأهل الإسلام، فى الكتاب الذى أنزله فقال: «إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ» وقال:

«وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ» وقال للمؤمنين: «وما محمّد إلّا رسول قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئا، وسيجزى الله الشّاكرين» فمن كان إنما يعبد محمدا، فإن محمدا قد مات، ومن كان إنما يعبد الله وحده لا شريك له، فإن الله له بالمرصاد حىّ قيّوم (١) لا يموت، ولا تأخذه سنة (٢)، ولا نوم، حافظ لأمره، منتقم من عدوه بحزبه.

وإنى أوصيكم بتقوى الله وحظّكم ونصيبكم من الله، وما جاءكم به نبيكم صلى الله عليه وسلم، وأن تهتدوا بهداه، وأن تعتصموا بدين الله، فإن كل من لم يهده الله ضالّ، وكل من لم يعافه مبتلى، وكل من لم يعنه مخذول، فمن هداه الله كان مهتديا، ومن أضله كان ضالّا، قال الله تعالى: «مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً»

ولم يقبل منه فى الدنيا عمل حتى يقرّ به، ولم يقبل منه فى الآخرة صرف ولا عدل (٣).

وقد بلغنى رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقرّ بالإسلام وعمل به، اغترارا بالله، وجهالة بأمره، وإجابة للشيطان، قال الله جلّ ثناؤه: «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ


(١) المرصاد: الطريق. وفلان يرصد فلانا أى يقعد له على طريقه يترقبه. والمعنى أن الله يرصد كل إنسان حتى يجزاه بأعماله لا يفوته منها شيء. القيوم: الدائم القيام بتدبير خلقه وحفظه.
(٢) السنة: فتور يتقدم النوم. قال ابن الرقاع:
وسنان أقصده النعاس فرنقت ... فى عينه سنة وليس بنائم
(٣) انظر هامش ص ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>