للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الصناعة الشريفة، فإذا ولّى الرجل منكم، أو صيّر إليه من أمر خلق الله وعياله أمر، فليراقب الله عز وجل، وليؤثر طاعته وليكن على الضعيف رفيقا، وللمظلوم منصفا، فإن الخلق عيال الله، وأحبّهم إليه أرفقهم بعياله، ثم ليكن بالعدل حاكما، وللأشراف مكرما، وللفىء موفّرا، وللبلاد عامرا وللرّعية متألّفا، وعن إيذائهم متخلفا، وليكن فى مجلسه متواضعا حليما، وفى سجلّات خراجه، واستقضاء حقوقه رفيقا، وإذا صحب أحدكم رجلا فليختبر خلائقه، فإذا عرف حسنها وقبيحها، أعانه على ما يوافقه من الحسن، واحتال لصرفه عما يهواه من القبيح، بألطف حيلة وأجمل وسيلة، وقد علمتم أن سائس البهيمة إذا كان بصيرا بسياستها، التمس معرفة أخلاقها، فإن كانت رموحا (١) لم يهجها إذا ركبها، وإن كانت شبوبا (٢) اتّقاها من قبل يديها، وإن خاف منها شرودا توقاها من ناحية رأسها، وإن كانت حرونا قمع برفق هواها فى طريقها، فإن استمرت عطفها يسيرا، فيسلس له قيادها، وفى هذا الوصف من السياسة دلائل لمن ساس الناس وعاملهم، وجرّبهم (٣) وداخلهم.

والكاتب بفضل أدبه، وشريف صنعته، ولطيف حيلته ومعاملته لمن يحاوره من الناس ويناظره، ويفهم عنه أو يخاف سطوته، أولى بالرّفق بصاحبه، ومداراته، وتقويم أوده، من سائس البهيمة التى لا تحير (٤) جوابا، ولا تعرف صوابا، ولا تفهم خطابا، إلا بقدر ما يصيّرها إليه صاحبها الراكب عليها، ألا فأمعنوا (٥) - رحكم الله- فى النظر، وأعملوا فيه ما أمكنكم من الرويّة والفكر، تأمنوا (٦) بإذن الله ممن صحبتموه النّبوة، والاستثقال والجفوة، ويصير منكم إلى الموافقة، وتصيروا منه إلى المؤاخاة والشفقة، إن شاء الله تعالى.


(١) رمحه الفرس كمنع: رفسه.
(٢) شب الفرس كضرب ونصر: رفع يديه، وفى المقدمة «من بين يديها».
(٣) وفى صبح الأعشى «وخدمهم».
(٤) أى لا ترد.
(٥) فيها «فارفقوا».
(٦) تأمنوا: مجزوم فى جواب الأمر: أو بعبارة أخرى جواب لشرط محذوف مع فعل الشرط أى «إن تعملوا ... تأمنوا» ومن ثم يجوز فى «ويصير» ثلاثة أوجه: الجزم والنصب والرفع كما هو مشهور، فقول بعضهم: «ولعل ثبوت الياء قبل الراء من زيادة الناسخ» مردود.

<<  <  ج: ص:  >  >>