للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حفظ الوصيّة (١)، ومنحك نصيحة الرّعيّة، وألهمك عدل القضيّة (٢)، فإنّك مستودع الودائع، ومولى الصّنائع (٣)، فاحفظ ودائعك بحسن صنائعك، فالودائع عاريّة، والصنائع مرعيّة، وما النّعم عليك وعلينا فيك بمنزور (٤) نداها، ولا بمبلوغ مداها فنبّه للتفكير قلبك، واتّق الله ربّك، وأعط من نفسك من هو تحتك ما تحبّ أن يعطيك من هو فوقك، من العدل والرّأفة والأمن من المخافة. فقد أنعم الله عليك بأن فوّض أمرنا إليك، فاعرف لنا لين شكر المودّة، واغتفار مسّ الشّدة، والرّضا بما رضيت، والقناعة بما هويت، فإنّ علينا من سمك (٥) الحديد وثقله أذى شديدا مع معالجة الأغلال، وقلّة رحمة العمّال، الذين تسهيلهم الغلظة، وتيسيرهم الفظاظة، وإيرادهم علينا الغموم، وتوجيههم إلينا الهموم، زيارتهم الحراسة، وبشارتهم الإياسة، فإليك بعد الله نرفع كربة الشّكوى، ونشكو شدة البلوى، فمتى تمل إلينا طرفا، وتولنا منك عطفا، تجد عندنا نصحا صريحا، وودّا صحيحا، لا يضيّع مثلك مثله،


(١) يقول الشيعة إن النبى صلى الله عليه وسلم أوصى بالخلافة من بعده لعلى كرم الله وجهه، فلقبوا عليا بالوصى، وهو أوصى بها لمن بعده، وهكذا كل إمام وصى من قبله، قال الحميرى من أبيات:
إنى أدين بما دان الوصى به ... يوم النخيلة من قتل المحلينا
انظر الكامل للمبرد ج ٢: ص ١٥٥، وقد أورد ابن أبى الحديد فى شرح نهج البلاغة م ١:
ص ٤٧ - ٥٠ طائفة كبيرة من الأشعار التى وردت فيها كلمة الوصى، منها قول عبد الله بن أبى سفيان بن الحرث بن عبد المطلب:
ومنا على ذاك صاحب خيبر ... وصاحب بدر يوم سالت كتائبه
وصى النبى المصطفى وابن عمه ... فمن ذا يدانيه، ومن ذا يقاربه؟
وقول عبد الرحمن بن جعيل:
لعمرى لقد بايعتم ذا حفيظة ... على الدين معروف العفاف موفقا
عليا وصى النبى المصطفى وابن عمه ... وأول من صلى أخا الدين والتقى
وقول أبى الهيثم بن التيهان من أبيات، وكان بدريا:
إن الوصى إمامنا وولينا ... برح الخفاء وباحت الأسرار
(٢) يقال: قضى عليه قضيا وقضاء وقضية.
(٣) جمع صنيعة، وهى المعروف والإحسان.
(٤) النزر والنزير والمنزور: القليل.
(٥) يقال سمكه سمكا: أى رفعه، والمعنى: فإن علينا من الحديد الغليظ المضاعف.

<<  <  ج: ص:  >  >>