للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«باسمك اللهمّ (١)، من عمرو بن هند إلى المكعبر. أما بعد فإذا أتاك كتابى هذا مع المتلمس فاقطع يديه ورجليه، وادفنه حيّا».

فقال لطرفة: ادفع إليه صحيفتك يقرؤها، فقيها والله ما فى صحيفتى! فقال طرفة: كلا!


(١) كانت قريش قبل البعثة تكتب فى أول كتبها «باسمك اللهم». وقد روى الرواة فى تعليل ذلك قصة سنوردها على علاتها، وللقارئ حكمه عليها، وهى: «ذكر جماعة من أهل المعرفة بأيام الناس، وأخبار من سلف، كابن دأب والهيثم بن عدى وأبى مخنف لوط بن يحيى ومحمد بن السائب الكلبى:
أن السبب فى كتابة قريش واستفتاحها فى أوائل كتبها باسمك اللهم هو أن أمية بن أبى الصلت الثقفى خرج إلى الشام فى نفر من ثقيف وقريش فى عير لهم، فلما قفلوا راجعين نزلوا منزلا واجتمعوا لعشائهم، إذ أقبلت حية صغيرة حتى دنت منهم، فحصبها بعضهم بحجر فى وجهها فرجعت، فشدوا على إبلهم وارتحلوا من منزلهم، فلما برزوا عن المنزل أشرفت عليهم عجوز من كثيب رمل متوكئة على عصا لها، فقالت:
ما منعكم أن تطعموا رحيمة، (وفى رواية: رحيبة، وفى أخرى: رجيمة) الجارية اليتيمة التى جاءتكم عشية؟ قالوا: ومن أنت؛ قالت: أم العوام، أرملت منذ أعوام، أما ورب العباد، لتفترقن فى البلاد ثم ضربت بعصاها الأرض، وأثارت بها الرمل، وقالت: أطيلى إيابهم، ونفرى ركابهم. فوثبت الإبل كأن على ذروة كل بعير منها شيطانا، ما يملكون منها شيئا، حتى افترقت فى البوادى، فجمعوها من آخر النهار إلى غدوة، فلما أناخوا الرواحل طلعت عليهم العجوز وفعلت مثل فعلتها الأولى، فتفرقت الإبل، قحمعوها من غد فلما أناخوها ليرحلوها فعلت العجوز مثل فعلها فى اليوم الأول والثانى، فنفرت الإبل، وأمسوا فى ليلة مقمرة ويئسوا من ظهورهم، فقالوا لأمية بن أبى الصلت: أين ما كنت تخبر نابه عن نفسك وعلمك؟ فقال: اذهبوا أنتم فى طلب الإبل ودعونى، فتوجه إلى ذلك الكثيب الذى كانت تأتى منه العجوز حتى هبط من ثنيته الأخرى، ثم صعد كثيبا آخر حتى هبط منه، ثم رفعت له كنيسة فيها قناديل، فإذا رجل مضطجع معترض على بابها، وإذا رجل جالس أبيض الرأس واللحية، قال أمية: فلما وقفت عليه، رفع رأسه إلى وقال: إنك لمتبوع؟ قلت: أجل! قال: فمن أين يأتيك صاحبك؟ قلت: من أذنى اليسرى، قال: فبأى الثياب يأمرك؟ قلت: بالسواد، قال: هذا خطيب الجن، كدت والله أن تكونه ولم تفعل! إن صاحب النبوة يأتيه صاحبه من قبل أذنه اليمنى، فيأمره بلباس البياض، فما حاجتك؟
فحدثته حديث العجوز، فقال: صدقت، وليست بصادقة، وهى امرأة يهودية، هلك زوجها منذ أعوام وإنها لن تزال تفعل بكم ذلك حتى تهلككم إن استطاعت، قال أمية: قلت فما الحيلة؟ قال: اجمعوا ظهوركم، فإذا جاءتكم وفعلت ما كانت تفعل، فقولوا لها: سبعا من فوق وسبعا من أسفل: باسمك اللهم». فإنها لن تضركم، فرجع أمية إلى أصحابه فأخبرهم بما قيل له، وجاءتهم العجوز ففعلت كما كانت تفعل، فقالوا: سبعا من فوق وسبعا من أسفل «باسمك اللهم» فلم تضرهم، فلما رأت الإبل لا تتحرك قالت: قد علمكم صاحبكم، ليبيضن الله أعلاه، وليسودن أسفله! وثاروا، فلما أدركهم الصبح نظروا إلى أمية قد برص فى عذاريه ورقبته وصدره واسود أسفله، فلما قدموا مكة ذكروا هذا الحديث، فكتبت قريش فى أول كتبها «باسمك اللهم». فكان أول ما كتبها أهل مكة، وفى رواية: وكان أمية أول من كتب «باسمك اللهم» إلى أن جاء الإسلام فكتب «بسم الله الرحمن الرحيم». انظر مروج الذهب ج ١: ص ٤٢. والأعانى ج ٣: ص ١٨١. وصبح الأعشى ج ٦: ص ٢١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>