للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولاة الشرّ يجمعون مع جهلهم العجب والاستغناء، ويستوثق لنفسه بالحجّة، ويتخذها على رعيته فيما يلطف له من الفحص عن أمورهم، كما كان أولئك يكتفون بالدّعة، ويرضون بدحوض (١) الحجة، وانقطاع العذر فى الامتناع أن يجترئ عليهم أحد برأى أو خبر، مع تسليط الذّئاب (٢)، وقد عصم الله أمير المؤمنين- حين أهلك عدوّه، وشفى غليله، ومكّن له فى الأرض، وآتاه ملكها وخزائنها- من أن يشغل نفسه بالتمتّع والتفيّش (٣)، والتأثّل والأخلّاء (٤)، وأن يرضى ممن آوى (٥) بالمتاع به، وقضاء حاجة النفس منه، وأكرم الله أمير المؤمنين باستهانة ذلك واستصغاره إياه، وذلك من أبين علامات السعادة، وأتجح الأعوان على الخير، وقد قصّ الله عز وجل علينا من نبأ يوسف بن يعقوب: أنه لمّا تمّت نعمة الله عليه، وآتاه الملك، وعلّمه من تأويل الأحاديث، وجمع له شمله، وأقرّ عينه بأبويه وإخوته، أثنى على الله عزّ وجل بنعمته، ثم سلاعما كان فيه، وعرف أن الموت وما بعده هو أولى، فقال: «تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ».

وفى الذى قد عرفنا من طريقة أمير المؤمنين ما يشجّع ذا الرأى على تناوله بالخبر فيما ظنّ أنه لم يبلغه إياه غيره، وبالتذكير بما قد انتهى إليه، ولا يزيد صاحب الرأى على أن يكون مخبرا أو مذكّرا، وكلّ عند أمير المؤمنين مقبول إن شاء الله، مع أن مما يزيد ذوى الألباب نشاطا إلى إعمال الرأى فيما يصلح الله به الأمة فى يومها، أو غابر دهرها، الذى أصبحوا قد طمعوا فيه، ولعل ذلك أن يكون على يدى أمير


(١) دحضت الحجة كمنع دحوضا: بطلت.
(٢) فى الأصل «الديان» وهو تحريف.
(٣) فى الأصل «التفتيش» وهو تحريف، والتفيش: ادعاء الشىء والفخر به باطلا، ويقال:
فاش الرجل فيشا: أى افتخر وتكبر ولا شىء عنده، وفلان فياش: إذا كان نفاخا بالباطل وليس عنده طائل، وتأثل المال: جمعه.
(٤) فى الأصل والإخلاد وهو صحيح على تقدير: والإخلاد إلى الدعة والرفاهية: أى الميل إليها، وأرى أنه «الأخلاء» ويقوى ذلك ما بعده.
(٥) أى ممن آواه.

<<  <  ج: ص:  >  >>