للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الكرم، والنّجدة، والصدق، والحياء، والنجابة، والزّكانة (١)، وسائر ما لا يأتى عليه العدد من المحامد، ثم انحدرنا فيما أصعدنا فيه من هذا النّسب، فعدنا إلى الإخاء فوجدناه لا يقوم به إلا من هذه الخصال كلّها أخلاقه، ولمّا استوجب الإخاء مسالك المحمدة كلها، رأينا أن نتخيّر له المواضع فى صواب التوزير، وإحكام التقدير، وعلمنا أن الاحتباس به، أحسن من الندم بعد بذله، واستوجب- إذ كان جماع المحامد- أن نتخيّر له محامله التى كان يحمل عليها، فكان الناس فيما احتبسنا به عنهم من الإخاء، على صنفين: فصنف عذرونا بالتحبّس للتخير، إذ كان التخيّر من شأنهم، وصنف هم ذوو سرعة إلى الإخاء وسرعة فى الانتهاء، فقدّموا اللائمة (٢)، واستعجلوا بالمودّة، وتركوا باب التّروية، واستحلوا عاجل المحبة، ولهوا عن آجل الثقة، فكانوا بذلك أهل لائمة، ولم يجد المعذرون (٣) إلا الصبر على تلك، والاستعمال للرأى، والاستعداد بالعذر عند المحاجّة.

وقد فهمت كتابك إلىّ بالمودة، واستحثاثك إياى فى الأخوة، وما دنوت به من حرمة المحبة، فنازعت (٤) إليك نفسى بمثل الذى نازعت به إلىّ نفسك، فواثبتنى عادة الاستعمال للتروية فى الخبرة، والتخيّر للمغبّة، فجلت عن كتابك جولة غير نافرة، ثم راجعت مقاربتك، فقلت: ألقى إلىّ أسباب المودة قبل كشف العطاء بالخبرة فخشيت أن تعذر نفسك بالتقدم، وتحدث الزهادة للتعسّف بالجهالة عند الخبرة، فجلت عن هذا جولة كالجولة الأولى، ثم عاودت إسعافك، وطاعة التشوق، ومعصية التخيّر ثم قلت ما حال من جعل الظنّ دون اليقين، والتقدم قبل الوثيقة؟ فلما كان الرأى لى خصما، تنكّبت الوقوع فى خلافه، فلم أجد إلا الإدبار عن إقبالك سبيلا، ولا مع


(١) الزكانة: الفطنة والحدس الصادق.
(٢) اللائمة: اللوم.
(٣) المعذر: من كان له عذر.
(٤) أى اشتاقت.

<<  <  ج: ص:  >  >>