للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موفّقا، ومن كل سوء معصوما، قد كان أتانى منك كتاب حال عليه الحول عندى، ولم يمنعنى من إجابتك فيه فى البدء إلا أن رسولك الموصّل له أخبرنى بإجماع منك على بعثه خاصّة من أهلك لمطالعتى، فكانت الإجابة منى مع خاصّتك أوقع بموافقتى، ثم رأيتك- والله يصلح بالك- قطعت رسلك عنى، فصار ذلك سببا لإبطاء جوابى عنك، غير زاهد فى إخائك، ولا راغب عن ودادك، ولا منكر لجميل حالك، والفاضل من أقسام الله لك فيما منحك وأعارك فى عقلك ومحمود صفاتك ووفائك، فإنى وجدت حقائق الأخوّة لا تثبت إلا بمحض المودّة من صحة العقل والمجبول فى الطبيعة، وأصبت العقل قائدا إلى زين العاجلة وحظوتها، ومحبوب ما يتعاطف به ذوو الحجى فيها، ويتواصلون به فى دوام نعيمها وميسور أمورها، ودر كالمذخور أجر الآخرة وسعادتها وما ليس له عدل ولا خطر من جزائها وثوابها، وقد ألزم نفسى من تنافسها فى إخائك وضنّها وتمسكها بما أجرى الله بينى وبينك، ما يجاوز مدى المتنافسين فى رغائب الأمور المحروص عليها من كنوز الذهب والفضة، لأنى رأيت الأموال، وإن كثرت عند من يجمعها، حتى لا يحصى عددها وتعجز المواضع عنده لما نال منها دانية لديه إلا ريثما تختلف أعصر الدهر عليه فيها بالإتلاف لها، بالنوائب المفرّقة لما جمع منها، وكنز الإخاء ممّن استحكمت منه قواه بخالص الصفاء، أفضل ذخيرة وأحمد مغبّة، وأمسّ عند ملمّات الدهور منفعة، وأوصل إلى كل مرجوّ من خير فى عاجل أو عاقبة، من كنوز الأموال المكتنفة المتصرفة، فعلى ذلك فليكن عندك من الحالة، وبه فليكن فى غابر الأيام لى الثقة، وإلى الله الحول والقوة، فأمّا قيلك: إنا صرنا عندك- فيما أخلفنا من ظنك، وبعد الذى اختبرت من شاهدنا، ووافقك منا- كبرق الخلّب (١) الذى يضىء قليلا، ويضمحلّ وشيكا (٢)، فإنّ برق الخلّب لمن عاينه غير متصل له


(١) البرق الخلب (بالوصف) وبرق الخلب (بالإضافة): المطمع المخلف.
(٢) أى سريعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>