كتاب جمهرة رسائل العرب في عصور العربية

الباب الرابع الرسائل فى العصر العباسى الأول - ١٤٩ - كتاب آخر له - ج: 3 - ص: 181

حلّافا لجوجا لا يطمع فيما عنده حتى يحلف ألا يفعل، ولا يرجّى منه أحد ما يعطى حتى يقسم بالله ألّا يقبل، فإذا ألحّ فى ذلك وأكثر حنث متعمّدا، وأتى الذى ذكره من ذلك متطوّعا، لو أنفق ما فى الأرض جميعا لم يكن ذلك قدر حنثه فى هزله، فكيف ظنّك بكفّارة حلفه فى جدّه؟ ولو سكن الفالج (١) فى لسانه لم ينقص ذلك حرفا واحدا من إيمانه، أشد الناس إكراما لأبعدهم من ذلك استحقاقا، وأقلّ الناس إحسانا إلىّ أشدهم لذلك استيجابا، كأن البخل والشؤم صارا جميعا فى سهمه، وكانا قبل ذلك حظّا (٢) فى قسمه، فاستجمعهما من الورثة، واستحقّ ما استهلك منهما بالشّفعة، واستولاهما من كلّ بالقيمة، وأشهد على حيازتهما أهل الدين والأمانة، حتى خلصا له من كل بائع، وسلما من تبعة كل منازع، فلا يصيب إلا مخطئا، ولا يحسن إلا ناسيا، ولا ينفق إلا كارها، ولا ينصف إلا صاغرا، ولا يعدل إلا راهبا (٣) ولا يرفع نفسه عن (٤) منزلة إلا ذلّ بعد تعزّزه فيها، ولا يكره خطّة سوء إلّا أصابه ما هو شرّ منها، لا تردّ أعناق أموره إلا على تعسّف وجهالة، ولا تصدر أعقاب رأيه إلّا عن حرقة وندامة، برأى جدّه (٥) خرجت أمّنا (٦)، وشؤم والده (٧) هدمت قبلتنا، وعلى يديه ظهر الدجّال فينا، فمن يهده الله يومئذ فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليّا مرشدا (٨)». (المنظوم والمنثور ١٣: ٤١٣)

---

(١) الفالج: مرض يحدث فى أحد شقى البدن طولا فيبطل إحساسه وحركته، وربما كان فى الشقين
(٢) فى الأصل «خمطا» وهو تحريف.
(٣) أى خائفا، وفى الأصل «راغبا» وهو تحريف.
(٤) الظاهر أن صوابه «إلى».
(٥) يعنى الربير بن العوام.
(٦) يعنى أم المؤمنين السيدة عائشة.
(٧) يعنى عبد الله بن الزبير، وقد عاذ بالكعبة وقاتله الحجاج ورمى الكعبة بالمنجنيق كما قدمنا فى الجزء الثانى.
(٨) الآية الكريمة: «مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ».*