للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزمان، ونزل به الحدثان (١). فحلّ فى الضيق بعد السّعة، وعالج البؤس بعد الدّعة، وافترش السّخط بعد الرّضا، واكتحل السّهاد بعد الهجود، ساعته شهر، وليلته دهر، قد عاين الموت، وشارف الفوت، جزعا لموجدتك (٢) يا أمير المؤمنين، وأسفا على مافات من قربك، لا على شىء من المواهب، لأن الأهل والمال إنما كانا لك وبك، وكانا فى يدىّ عاريّة (٣)، والعارية مردودة، وأما ما أصبت به من ولدى فبذنبه، ولا أخشى عليك الخطأ فى أمره، ولا أن تكون تجاوزت به فوق حدّه، فتذكّر يا أمير المؤمنين كبر سنّى، وضعف قوّتى، وارحم شيبتى، وهب لى رضاك، بالعفو عن ذنب إن كان (٤)، فمن مثلى الزّلل، ومن مثلك الإقالة، وإنما أعتذر إليك بإقرار ما يجب به الإقرار حتى ترضى عنى، فإذا رضيت رجوت إن شاء الله أن يتبين لك من أمرى وبراءة ساحتى ما لا يتعاظمك (٥) بعده ذنب أن تغفره، مدّ الله لى فى عمرك، وجعل يومى قبل يومك، وكتب إليه بهذه الأبيات:

قل للخليفة ذى الصّنيعة والعطايا الفاشيه ... وابن الخلائف من قريش والملوك العاليه

إن البرامكة الذين رموا لديك بداهيه


(١) حدثان الدهر بالتحريك: حوادثه ونوبه؛ وربما أنثته العرب، يذهبون به إلى الحوادث كما فى قوله:
ألا هلك الشهاب المستنير ... ومدرهنا الكمى إذا تغير
ووهاب المئين إذا ألمت ... بنا الحدثان والحامى النصور
وأما حدثان الأمر (بكسر فسكون) فهو أوله وابتداؤه، يقال: أتيته فى حدثان شبابه، ووقع هنا خطأ لصاحب القاموس نشأ من الاختصار قال. «وحدثان الأمر بالكسر: أوله وابتداؤة كحداثته، ومن الدهر: نوبه كحوادثه وأحداثه» والصواب: والحدثان بفتحات من الدهر نويه ... الخ والدعة: الراحة وخفض العيش.
(٢) الموجدة: الغضب.
(٣) العارية مشددة وقد تخفف: ما يستعار.
(٤) وفى العقد «ففكر فى أمرى- جعلنى الله فداك- وليمل هواك بالعفو عن ذنب ... ».
(٥) تعاظمه: عظم عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>