للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكتب الأمين إلى المأمون يسأله أن يتجافى له عن كور من كور خراسان سمّاها وأن يوجّه العمال إليها من قبل الأمين، وأن يحتمل توجيه رجل من قبله يولّيه البريد عليه ليكتب إليه بخبره، فكبر ذلك على المأمون واشتد، وأحضر خاصّته من الرؤساء والأعلام، وقرأ عليهم الكتاب، واستشارهم فى الأمر، فأشار عليه كلّ بما يرى، فقال المأمون لوزيره الفضل (١) بن سهل ذى الرياستين: اكتب يا فضل إليه، فكتب:

«وقد بلغنى كتاب أمير المؤمنين، يسأل التّجافى عن مواضع سمّاها، مما أثبته الرشيد فى العقد، وجعل أمره إلىّ، وما أمر رآه أمير المؤمنين أحد يجاوز أكثره، غير أن الذى (٢) جعل إلىّ الطّرف الذى أنا به لا ظنين فى النظر لعامّته، ولا جاهل بما أسند إلىّ من أمره، ولو لم يكن ذلك مثبتا بالعهود والمواثيق المأخوذة، ثم كنت على الحال التى أنا عليها: من إشراف عدوّ مخوف الشّوكة، وعامّة لا تتألّف عن هضمها (٣)،


- ثم فكر الفضل بعد مقدمه العراق، وعلم أن الخلافة إن أفضت إلى المأمون وهو حى لم يبق عليه، فزين للأمين خلع المأمون والبيعة لابنه موسى- ولم يكن ذلك من رأى الأمين ولا عزمه- واتفق مع الفضل جماعة على ذلك، فمال الأمين إلى أقوالهم، ثم استشار عقلاء أصحابه فنهوه عن ذلك وحذروه عاقبة البغى ونكث العهود والمواثيق، وقالوا له: لا تجرئ القواد على النكث للأيمان وعلى الخلع فيخلعوك، فلم يلتفت إليهم، ومال إلى رأى الفضل بن الربيع.
(١) هو الفضل بن سهل بن عبد الله السرخسى وزير المأمون، ويلقب بذى الرياستين لأنه تقلد الوزارة والسيف، وقد جاء فى رسالة الشكر- وسنرد عليك بعد-: «فأية نعمة أجل قدرا وأسنى أمرا معشر الشيعة، من نعمة أمير المؤمنين أيده الله عند الأمير ذى الرياستين، ومراتبه التى رتبه بها، فإنه أعطاه رياسة الحرب ورياسة التدبير ... إلخ» وكذلك ذكر الجهشيارى فى كتابه «الوزراء والكتاب ص ٣٨٧» قال: «ولقب المأمون الفضل بن سهل ذا الرياستين، ومعنى ذلك رياسة الحرب ورياسة التدبير». وهو من أبناء الفرس، وكان بنو سهل صنائع البرامكة. وكان أبوه سهل مجوسيا فأسلم على يد المهدى، وأسلم الفضل على يد المأمون سنة ١٩٠، وقتله المأمون سنة ٢٠٢ كما سيأتى، انظر ترجمته فى وفيات الأعيان ١: ٤١٣ والفخرى ص ٢٠٢ وتاريخ بغداد للخطيب البغدادى ٢: ٣٣٩.
(٢) هو الرشيد، والطرف: منتهى كل شىء، وهو هنا خراسان لأنها منتهى الدولة، والظنين: المتهم.
(٣) أى عن طريق ظلمها ونقص حقوقها.

<<  <  ج: ص:  >  >>