للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«قلة نظرك لنفسك حرمتك سنىّ (١) المنزلة، وغفلتك عن حظّك حطّتك عن أعلى الدرجة، وجهلك بموضع النعمة أحلّ بك الغير (٢) والنّقمة، وعماك عن سبيل الدّعة أسلكك فى طريق المشقّة، حتى صرت من قوة الأمل، معتاضا شدّة الوجل، ومن رجاء الغد، معقبا يأس الأبد، وحتى ركبت مطيّة المخافة، بعد مجلس الأمن والكرامة، وصرت موضعا للرحمة، بعد أن تكنّفتك الغبطة (٣)، على أنى أرى أمثل أمريك أدعاهما للمكروه إليك، وأنفع حالتيك أضيقهما متنفّسا عليك بقول القائل:

إذا ما بدأت امرأ جاهلا ... ببرّ فقصّر عن حمله

ولم تلفه قابلا للجميل ... ولا عرف العزّ من ذلّه

فسمه الهوان فإن الهوان ... دواء لذى الجهل من جهله (٤)

وقد قرأت كتابك، بإغراقك وإطنابك، فوجدت أرجاه عندك، آنسه لك، وأرقّه فى نفسك، أقساه لقلبى عليك، ومن صادفه (٥) ما أذهبت، وخامره ما ذكرت خرس عن تشقيق (٦) الكلام، وتزويق الكذب والآثام، ولعمرى لولا تعلّقك منى بحرمة المعاينة، واتّصالك منى بسبب المفاوضة، وإنحائى بهما لمن نالهما بسط المنفعة، وقبض الأذى والمعرّة، مع استدامتى النعمة بالعفو عن ذى الجريمة، واستدعائى الزيادة بالتجاوز عن ذى الهفوة، واستقالتى العثرة بإقالة الزّلة، لنالك من عقوبتى ما يؤذيك،


- فيه بعض الشعراء: «كلتا يديك يمين حين تضربه، فلقبه المأمون ذا اليمينين، وقيل غير ذلك» وذكر الطبرى فى تاريخه ١٠: ١٥٥ أنه سمى بذلك فى سنة ١٩٥، وذلك أنه لما هزم جيش على بن عيسى ابن ماهان وقتله وكتب إلى الفضل بن سهل بذلك نهض الفضل فسلم على المأمون بأمير المؤمنين، فأمد المأمون طاهرا بالرجال والقواد وسماه ذا اليمينين وصاحب حبل الدين الخ.
(١) السنى، الرفيع، وفى المنظوم والمنثور «سناء المنزلة».
(٢) وفيه «البأس».
(٣) الغبطة: حسن الحال والمسرة.
(٤) سامه الأمر: أولاه إياه.
(٥) أى لقيه، وفى الأصل «صافه» وأراه محرفا، وأذهبه: طلاه بالذهب، والمعنى ما موهت، أو ما أذهبت: أى ما ضيعت من النعمة التى كنت فيها.
(٦) شقق الكلام: أخرجه أحسن مخرج.

<<  <  ج: ص:  >  >>