للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه أنه يقول: إن الملك «يعنى النعمان» عامله، وإنه هو ولّاه ما ولاه، فلم يزالوا بذلك حتى أضغنوه عليه، فأرسل إليه: عزمت عليك إلّا زرتنى، فإنى قد اشتقت إلى رؤيتك وعدىّ يومئذ عند كسرى، فاستأذن كسرى فأذن له، فلما أتاه لم ينظر إليه حتى حبسه فى محبس لا يدخل عليه فيه أحد، فجعل عدىّ يقول الشعر وهو فى السجن (١)، وكان كلما قال شعرا بلغ النعمان وسمعه، فندم على حبسه إياه، وجعل يرسل إليه ويعده ويمنّيه، ويفرق أن يرسله فيبغيه الغوائل. فلما طال سجن عدى كتب إلى أخيه أبىّ وهو مع كسرى بشعر فقال:

أبلغ أبيّا على نأيه ... (وهل ينفع المرء ما قد علم) (٢)

بأن أخاك شقيق الفؤا ... د كنت به واثقا ما سلم (٣)

لدى ملك، موثق بالحديد، إمّا بحقّ وإما ظلم ... فلا أعرفنك كذات الغلا

م ما لم تجد عارما تعترم (٤) ... فأرضك أرضك إن تأتنا

تنم نومة ليس فيها حلم (٥)


- فقبلوا منه، وخلا بالنعمان فقال له: إذا سألك هل تكفينى العرب؟ فقل نعم! فإذا قال لك: فمن لى بإخوتك فقل له: إن عجزت عنهم فإنى عن غيرهم لأعجز! ) ففعلوا جميعا ما أمرهم به عدى، فملك كسرى النعمان وكساه وألبسه تاجا.
(١) أورد صاحب الأغانى فى هذا الخبر عدة مختارات من قصائد مطولة قالها فى سجنه، ثم عقب عليها بقوله: «هذه رواية الكلبى فى قصائد كثيرة كان يقولها فيه، ويكتب بها إليه، فلا تغنى عنده شيئا» فارجع إليها إن شئت.
(٢) هذا البيت دخله الخرم.
(٣) فى الطبرى «كنت به والها».
(٤) ورد هذا البيت فى الأغانى والطبرى:
فلا أعرفنك كدأب الغلا ... م ما لم يجد عارما يعترم
وهو تحريف، والصواب ما ذكرنا، والتصحيح عن لسان العرب، وإليك ما جاء فيه «عرم الصبى» أمه (كنصر): زضعها، واعترم ثديها: مصه، واعترمت هى: تبغت من يعرمها. قال:
ولا تلفين كأم الغلا ... م إن لم تجد عارما تعترم
يقول: إن لم تجد من ترضعه درت هى، فحلبت ثديها، وربما رضعته ثم مجته من فيها. وقال ابن الأعرابى: إنما يقال هذا للمتكلف ما ليس من شأنه، أراد بذات الغلام: الأم المرضع إن لم تجد من يمص ثديها مصته هى، قال الأزهرى: ومعناه لا تكن كمن يهجو نفسه إذا لم يجد من يهجوه». وعلق عليه مصححه، فقال: «قوله: أراد بذات الغلام ... الخ» هذه عبارة الأزهرى لإنشاده له: «كذات الغلام» وأنشده فى المحكم: «كأم الغلام.
(٥) فى الأغانى: «تنم ليلة».

<<  <  ج: ص:  >  >>