للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتعاهد أهل البيوتات ممن قد دخلت عليهم الحاجة، فاحتمل مؤنتهم، وأصلح حالهم، حتى لا يجدوا لخلّتهم (١) مسّا، وأفرد نفسك بالنظر فى أمور الفقراء والمساكين، ومن لا يقدر على رفع مظلمته إليك، والمحتقر الذى لا علم له بطلب حقه فاسأل عنه أحفى مسألة، ووكّل بأمثاله أهل الصلاح من رعيتك، ومرهم برفع حوائجهم وحالاتهم إليك، لتنظر فيها بما يصلح الله به أمرهم، وتعاهد ذوى البأساء ويتاماهم وأراملهم، واجعل لهم أرزاقا من بيت المال، اقتداء بأمير المؤمنين- أعزه الله- فى العطف عليهم والصلة لهم، ليصلح الله بذلك عيشهم، ويرزقك به بركة وزيادة، وأجر للأضرّاء من بيت المال، وقدّم حملة القرآن منهم والحافظين لأكثره فى الجراية (٢) على غيرهم، وانصب لمرضى المسلمين دورا تؤويهم وقوّاما يرفقون بهم، وأطباء يعالجون أسقامهم، وأسعفهم بشهواتهم، ما لم يؤدّ ذلك إلى سرف فى بيت المال. واعلم أن الناس إذا أعطوا حقوقهم وأفضل أمانيتهم، لم يرضهم ذلك، ولم تطب أنفسهم دون رفع حوائجهم إلى ولاتهم، طمعا فى نيل الزيادة وفضل الرفق منهم، وربما برم (٣) المتصفح لأمور الناس، لكثرة ما يرد عليه، ويشغل فكره وذهنه منها ما يناله به مؤنة ومشقة.

وليس من يرغب فى العدل ويعرف محاسن أموره فى العاجل، وفضل ثواب الآجل، كالذى يستقبل ما يقرّبه إلى الله، ويلتمس رحمته به، وأكثر الإذن للناس عليك، وأبرز لهم وجهك، وسكّن لهم أحراسك، واخفض لهم جناحك، وأظهر لهم بشرك، ولن لهم فى المسألة والمنطق، واعطف عليهم بجودك وفضلك، وإذا أعطيت فأعط بسماحة وطيب نفس، والتمس الصنيعة والأجر غير مكدّر ولا منّان، فإن العطية على ذلك تجارة مربحة إن شاء الله، واعتبر بما ترى من أمور الدنيا ومن مضى من قبلك من أهل السلطان والرياسة فى القرون الخالية والأمم البائدة، ثم اعتصم فى أحوالك كلها


(١) الخلة: الحاجة.
(٢) فى المقدمة «فى الجرائد».
(٣) ضجر ومل.

<<  <  ج: ص:  >  >>