للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان المأمون قد كتب إليه قبل ذلك كتابا (كتبه عمرو بن مسعدة (١)) يدعوه إلى طاعته، ومفارقة معصيته، فلم يقبل، فكتب عبد الله إليه:

«أما بعد: فإنك يا نصر بن شبث قد عرفت الطاعة وعزّها وبرد ظلّها، وطيب مرتعها، وما فى خلافها من النّدم والخسار، وإن طالت مدّة الله بك، فإنه إنما يملى (٢) لمن يلتمس مظاهرة الحجّة عليه لتقع غيره بأهلها على قدر إصرارهم واستحقاقهم، وقد رأيت إنكارك وتبصيرك لما رجوت أن يكون لما أكتب به إليك موقع منك، فإن الصّدق صدق، والباطل باطل، وإنما القول بمخارجه، وبأهله الذين يعنون به، ولم يعاملك من عمّال أمير المؤمنين أحد أنفع لك فى مالك ودينك ونفسك، ولا أحرص على استنقاذك، والانتياش (٣) لك من خطائك منى.

فبأىّ أوّل أو آخر أوسطة (٤) أو إمرة إفدامك يا نصر على أمير المؤمنين، تأخذ أمواله وتتولّى دونه ما ولّاه الله، وتريد أن تبيت آمنا أو مطمئنا أو وادعا أو ساكنا أو هادئا، فو عالم السّرّ والجهر: لئن لم تكن للطاعة مراجعا، وبها خانعا (٥)، لتستويلنّ (٦) وخيم العاقبة، ثم لأبدأنّ بك قبل كل عمل، فإنّ قرون الشيطان إذا لم تقطع كانت فى الأرض فتنة وفسادا كبيرا، ولأطأنّ بمن معى من أنصار الدولة


(١) هو عمرو بن مسعدة بن سعيد بن صول، أحد وزراء المأمون، وكان كاتبا بليغا جزل العبارة وجيزها. سديد المقاصد والمعانى، توفى سنة ٢١٧ هـ انظر ترجمته فى وفيات الأعيان ١: ٣٩٠ والفهرست لابن النديم ص ١٧٨، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادى ١٢: ٢٠٣، ومعجم الأدباء ٦:
٨٨ (طبع مطبعة هندية).
(٢) يملى: يمهل، ومظاهرة الحجة: أى مضاعفتها.
(٣) انتاشه. أخرجه. والخطأ والخطاء واحد.
(٤) يقال وسطت القوم أسطهم وسطا وسطة، كوعد: أى توسطتهم.
(٥) الخنوع: الخضوع والذل.
(٦) المرعى الوبيل: الوخيم الثقيل، واستوبله: وجده وبيلا غير موافق.

<<  <  ج: ص:  >  >>