الْمُفْلِحُونَ» فإنهم الأنصار «وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ» ولد آدم الأحمر والأسود، فقد أشرك الله الذين من بعدهم فى هذا الفئ إلى يوم القيامة، فأقرّ ما أفاء الله عليك فى أيدى أهله، واجعل الحزية عليهم بقدر طاقتهم تقسمها بين المسلمين، ويكونون عمّار الأرض، فهم أعلم بها وأقوى عليها، ولا سبيل لك عليهم، ولا للمسلمين معك أن تجعلهم فيئا وتقسمهم، للصلح الذى جرى بينك وبينهم، ولأخذك الجزية منهم بقدر طاقتهم، وقد بيّن الله لنا ولكم فقال: فى كتابه «قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ».
فإذا أخذت منهم الجزية فلا شئ لك عليهم ولا سبيل، أرأيت لو أخذنا أهلها فاقتسمناهم، ما كان يكون لمن يأتى من بعدنا من المسلمين؟ والله ما كانوا يجدون إنسانا يكلمونه، ولا ينتفعون بشئ من ذات يده، وإن هؤلاء يأكلهم المسلمون ماداموا أحياء، فإذا هلكنا وهلكوا أكل أبناؤنا أبناءهم أبدا ما بقوا، فهم عبيد لأهل دين الإسلام مادام دين الإسلام ظاهرا فاضرب عليهم الجزية، وكفّ عنهم السّبى، وامنع المسلمين من ظلمهم والإضرار بهم، وأكل أموالهم إلا بحلّها ووفّ لهم بشرطهم الذى شرطت لهم فى جميع ما أعطيتهم.
وأما إخراج الصّلبان فى أيام عيدهم فلا تمنعهم من ذلك خارج المدينة بلا رايات ولا بنود (١)، على ما طلبوا منك يوما فى السنة، فأمّا داخل البلد بين المسلمين ومساجدهم فلا تظهر الصلبان».
فأذن لهم أبو عبيدة فى يوم من السنة، وهو يوم عيدهم الذى فى صومهم، فأما فى غير ذلك اليوم فلم يكونوا يخرجون صلبانهم.