للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعظم الله قدرها (١)، وأجلّ خطرها، وفسح فى مدّتها، وأطال الانتفاع بها، حتى إذا حداها (٢) طول الثّواء بأهلها، وتقادم الإلف بينهما، فجرى مجرى أخلق الأشياء بالدوام، إن (٣) كان الدوام فى شىء مأمولا- وأبعدها من النّفاد- إن (٤) كان النفاد على شىء مأمونا- فكانوا لذلك من حالها [فى غرّة (٥)] عنها، وإغفال لموقعها، أمضى (٦) الله أمره الذى هو فناء كلّ ما دونه وهلاك كل شىء إلا وجهه، فكان ذلك قضاءه القضاء الفصل، وحكمه الحكم الذى ليس له مردّ، ثم نبّه به على فقد ما منح منه، حتى عاد مشكورا، وعلى ما يجب به التسليم، حتى عاد مطاعا.

وإن أميرنا وسيدنا وموئل نعمتنا، ومبتدى أسلافنا، وكافل أعقابنا، وعامر مجدنا، وبانى مكارمنا، بالبرّ الذى هو كان المعتدّ له، ثم بالأدب الذى رفع مناره وأعلامه، وأثمن (٧) به لأهله، وأقام له سوقه، فلم يقرّب إلا عليه، ولم يحظ إلا من ناحيته، فالنمسه الناس حين التمسوه من جهتيه اللتين: إحداهما الرغبة فيه لفضله، والأخرى طلب المتحيّر لمعرفته أبا محمد، رضى الله عنه كلّ الرضا، ورحمة الله كلّ الرحمة عليه، كان ذلك النعمة التى دامت أحسن دوام، وتلك العاريّة التى ثوت أطول الثّواء، فما أحقّك- بموضعك من ولادته- وأحقّنا- بموقعنا من جميل بلائه- أن نكون على ما وفّاه من أمره شاكرين، وعنه تبارك وتعالى راضين، وأن نقول قول المحسنين المجملين المسلمين «إنّا لله وإنّا إليه راجعون» وأنا أسأل الله أن يصلى على محمد وعلى آل محمد ويسلم تسليما، وأن يحسن لنا ولك العزاء، ويوفّر علينا وعليك


(١) فى الأصل «فقدها».
(٢) من حدا الليل النهار أى تبعه، وحدا الإبل أى ساقها، والمعنى: صحبها ولازمها، والثواء:
الإقامة، وفى الأصل «حتى إذا حراهما طول الثواء أهلهما» وهو تحريف.
(٣) فى الأصل «وإن».
(٤) فى الأصل «وإن أيضا».
(٥) فى الأصل «لعرمرمهم» وقد أصلحته كما ترى.
(٦) جواب إذا.
(٧) فى الأصل «وأثمر» وأرى أن صوابه «وأثمن» يقال: أثمنه سلعته وأثمن له. أعطاه ثمنها.
والمعنى: أجاز أهل الأدب وحباهم، ويؤيد هذا التصويب، قوله بعد «وأقام له سوقه» وربما كان «وآثر به أهله».

<<  <  ج: ص:  >  >>