للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم نظرنا فى تعقّب المتعقّب لقولنا، والكاشر (١) لحجّتنا، فأقمنا له علما واضحا، وشاهدا قائما، ومنارا بيّنا، إذ وجدنا من فيه السّفوليّة الواضحة، والمثالب (٢)، الفاضحة، والكذب المبّرح، والخلف المصرّح، والجهالة المفرطة، والرّكاكة المستخفّة، وضعف اليقين والاستثبات، وسرعة الغضب والجراءة قد استكمل سروره واعتدلت أموره وفاز بالسّهم الأغلب (٣) والحظّ الأوفر، والقدر الرفيع، والجواز الطائع، والأمر النافذ، إن زلّ قيل حكم، وإن أخطأ قيل أصاب، وإن هذى فى كلامه وهو يقظان قيل رؤيا صادقة، من نسمة (٤) مباركة.

فهذه حجتنا والله على من زعم أن الجهل يخفض، وأن النّوك (٥) يردى، وأن الكذب يضرّ، وأن الخلف يزرى.

ثم نظرنا فى الوفاء والأمانة والنّبل والبلاغة وحسن المذهب وكمال المروءة وسعة الصدر، وقلة الغضب، وكرم الطبيعة، والفائق فى سعة علمه، والحاكم على نفسه، والغالب لهواه، فوجدنا فلان بن فلان، ثم وجدنا الزمان لم ينصفه من حقه، ولا قام له بوظائف فرضه. ووجدنا فضائله القائمة له قاعدة به، فهذا دليل أن الطّلاح (٦)، أجدى من الصلاح، وأن الفضل قد مضى زمانه، وعفت آثاره، وصارت الدائرة عليه، كما كانت الدائرة على ضده، ووجدنا العقل يشقى به قرينه، كما أن الجهل والحمق يحظى به خدينه (٧)، ووجدنا الشّعر ناطقا على الزمان، ومعربا عن الأيام حيث يقول:


(١) الكاشر: من كشر له إذا تنمر له، ورأى صوابه «والكاسر» بالسين.
(٢) المثالب: المعايب، جمع مثلبة بفتح الميم مع فتح اللام وضمها، والمبرح: الشديد، والمصرح:
المنجلى الخالص، من صرحت الخمر تصريحا: أى انجلى زبدها فخلصت.
(٣) يقال: هضبة غلباء: أى عظيمة مشرفة، وعزة غلباء كذلك على المثل.
(٤) النسمة: النفس.
(٥) النوك بالضم والفتح: الحمق.
(٦) الطلاح: ضد الصلاح.
(٧) الخدين والخدن بالكسر: الصاحب.

<<  <  ج: ص:  >  >>