للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرجو أن يكون الله قد أغاث المحقّين، ورحمهم، وقوّى ضعفهم، وكثّر قلّتهم، حتى صار ولاة أمرنا فى هذا الدهر الصعب، والزمن الفاسد، أشدّ استبصارا فى التشبيه من عليتنا، وأعلم بما يلزم فيه منا، وأكشف للقناع من رؤسائنا، وصادفوا (١) الناس وقد انتظموا معان (٢) الفساد أجمع، وبلغوا غايات البدع، ثم قرنوا بذلك العصبية التى هلك بها عالم بعد عالم، والحميّة التى لا تبقى دينا إلا أفسدته، ولا دنيا إلا أهلكتها، وهو ما صارت إليه العجم من مذهب الشّعوبيّة (٣)، وما قد صار إليه الموالى من الفخر على العجم والعرب، وقد نجمت من الموالى ناجمة، ونبتت منهم نابتة، تزعم أن المولى بولائه قد صار عربيا، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «مولى القوم منهم» ولقوله: «الولاء لحمة (٤) كلحمة النّسب، لا يباع ولا يوهب» قال: فقد علمنا أن العجم حين كان فيهم الملك والنبوّة كانوا أشرف من العرب، ولمّا حوّل ذلك إلى العرب صارت العرب أشرف منهم، قالوا: فنحن معاشر الموالى- بقديمنا فى العجم- أشرف من العرب، - وبالحديث الذى صار لنا فى العرب- أشرف من العجم، وللعرب القديم دون الحديث، ولنا خصلتان جميعا وافرتان فينا، وصاحب الخصلتين أفضل من صاحب الخصلة، وقد جعل الله المولى- بعد أن كان عجميا- عربيا بولائه، كما جعل حليف قريش من العرب قرشيّا بحلفه، وجعل إسمعيل- بعد أن كان أعجميا- عربيا، ولولا قول النبى صلى الله عليه وسلم «إن إسمعيل كان عربيا» ما كان عندنا إلا أعجميا، لأن الأعجمى لا يصير عربيا، كما أن العربىّ لا يصير أعجميا، فإنما علمنا أن إسمعيل صيّره الله عربيا بعد أن كان أعجميا، بقول النبى صلى الله عليه وسلم، فكذلك حكم قوله «مولى القوم منهم» وقوله «الولاء لحمة» قالوا: وقد جعل الله إبراهيم عليه السلام أبا لمن لم يلد، كما جعله أبا


(١) فى الأصل: «وصارفوا» وهو تحريف.
(٢) المعان: المباءة والمنزل.
(٣) هم محتقرو أمر العرب.
(٤) اللحمة: القرابة.

<<  <  ج: ص:  >  >>