للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل لبعض هؤلاء اللّعامظة (١) والمستأكلين والسّفّافين (٢) المقفّعين- ورئى سمينا- ما أسمنك؟ قال: «أكلى الحارّ وشربى القارّ، والاتكاء على شمالى، وأكلى من غير مالى (٣)» وقد قال الشاعر:

وإن امتلاء البطن فى حسب الفتى ... قليل الغناء وهو فى الجسم صالح (٤)

وقيل لآخر: ما أسمنك؟ قال: «قلة الفكرة، وطول الدّعة، والنوم على الكظّة (٥)» وقال الحجاج للغضبان (٦) بن القبعثرى: ما أسمنك؟ قال: القيد والرّتعة (٧)، ومن كان فى ضيافة الأمير سمن» وقيل لآخر: إنك لحسن السّحنة (٨)، قال: «آكل لباب البرّ، وصغار الممز، وأدّهن بخام (٩) البنفسج، وألبس الكتّان» والله لو كان من يسأل يعطى لما قام كرم العطية بلؤم المسألة.

ومدار الصواب على طيب المكسبة والاقتصاد فى النفقة، وقد قال بعض العرب «اللهم إنى أعوذ بك من بعض الرزق» حين رأى نافجة (١٠) من ماله من صداق أمه.


(١) اللعامظة: جمع لعمظ كجعفر، وهو الحريص الشهوان النهم كاللعموظ (كعصفور).
(٢) فى النسخ «السفافيف» والمقفع: المنكس الرأس أبدا.
(٣) اقرأ فى عيون الأخبار ٩: ٢٢٤.
(٤) أى أن كثرة الأكل لا تفيد فى إعلاء شرف الفتى، ولكنها تفيد الجسم، وفى النسخ «الغنى» بدل «الفتى».
(٥) وهذا أيضا فى عيون الأخبار، والكظة: شىء يعترى الإنسان عند الامتلاء من الطعام.
(٦) من خبره أنه لما هلك بشر بن مروان وولى لحجاج العراق بلغ ذلك أهل العراق فقام الغضبان خطيبا بالكوفة يؤلبهم على الحجاج، فكان فيما قال لهم «فاعترضوا هذا الخبيث فى الطريق فاقتلوه» «فأطيعونى وتغدوا به قبل أن يتعشى بكم» فلما قدم الحجاج الكوفة بلغته مقالته، فأمر به فأقام فى حبسه ثلاث سنين- اقرأ خطبته فى جمهرة خطب العرب ٢: ٣٢٠.
(٧) الرتعة: الاتساع فى الخصب، وهو مثل. وأول من قاله عمرو بن الصعق بن خويلد بن نفيل ابن عمرو بن كلاب، وكانت شاكر من همدان أسروه فأحسنوا إليه وروحوا عنه وقد كان يوم فارق قومه نحيفا، فهرب من شاكر فلما وصل إلى قومه قالوا: أى عمرو، خرجت من عندنا نحيفا وأنت اليوم بادن، فقال: القيد والرتعة، فأرسلها مثلا، وهذا كقولهم: العز والمنعة، والنجاة والأمنة، وفى عيون الأخبار (٩: ٢٢٥) القيد والدعة.
(٨) السحنة بالفتح وتحرك: الهيئة واللون ولين البشرة، وفى عيون الأخبار «الشحمة».
(٩) الخام: الريح الطيبة تعبق بالثوب.
(١٠) يقال: للابل التى يرثها الرجل فتكثربها إبله «نافجة».

<<  <  ج: ص:  >  >>