للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجور، حتى باعوا الطارف والتّلاد، وهمّوا ببيع النساء والأولاد، إذعانا للقهر، واستبسالا للجهد، ومخالفة للذل، ثم لم يقنعه ذلك حتى أخذ منهم ما كان الله قد وضع ثقله عنهم، ولم تعمل به الولاة قبله، تضعيفا للبلاء، واستعمالا للّأواء (١).

وجعلك عرضة لدعاء المظلومين، وسمعة فى قلوب المؤمنين، فأيس الملهوف من روح (٢) عدلك، والمكروب من رجاء فضلك، وفعل «كذا» تكريرا للشّنع (٣)، وأخذا بالبدع، وإماتة للسّنن، وجعل منزله مغيضا (٤) لما جبى، وسيرة لما حوى، ليختزن الفضول (٥)، ويستر ذلك عن العيون، حتى إذا حمّلهم الجهد فنفدت الطاقة، وماتت الحيلة، وترحت النفوس، كشف لهم عن خطّة الجور، نابية الأطراف، متراخية الشّقّة (٦)، يعجز عن تجشّمها ذو القدرة الغنىّ، وذو المنّة (٧) القوىّ، وأبرز لهم غرّة السيف ذى الشّطب (٨)، وهامة الجرز (٩) ذى الشّعب، فخبّروه بجهدهم، وكشفوا له عن عذرهم، ففعل بهم «كذا»، حتى أعطوا المقادة كارهين، وعلى أنفسهم خائفين، لما عاينوا من القول الشنيع، والأمر الفظيع، فأرمض (١٠) بذلك قلوب المؤمنين، وكره جواره أهل الفضل والدين، إذ لم يستطيعوا لما صنع تغييرا، ولم يجدوا إلى أمره بالمعروف سبيلا، فإن رأيت أن تنصف كرمى من لؤمه، وتعبى من دعته، وعسرى من سعته، فقد خالف طاعتك وأمرك، وتحامل على أهل مودتك وشكرك، فعلت».

(اختيار المنظوم والمنثور ١٣: ٤٢١)


(١) اللأواء: الشدة.
(٢) الروح: الرحمة.
(٣) فى الأصل «للشبع» وهو تحريف.
(٤) كذا فى الأصل والمعنى عليه صحيح، وربما كان «مقبضا» وكلاهما اسم مكان.
(٥) الفضول: جمع فضل، وهو الزيادة. وفى الأصل «لتحرك» وهو تحريف وصوابه «ليختزن»
(٦) ترح: ضد فرح. والشقة: المسافة.
(٧) المنة: القوة.
(٨) شطوب السيف وشطبه (بضمتين) وشطبه (بضم ففتح): طرائقه التى فى متنه، واحدته شطبة بضم، وبضم ففتح، وبكسر.
(٩) الجرز كقفل وعنق: العمود من الحديد، وفى الأصل «الحزر» وهو تصحيف.
(١٠) أرمضه: أوجعه وأحرقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>