إلى معرفته، بما نصب لهم من دلائله، وأراهم من عبره، وصرّفهم فيه من صنعه كما قال جل جلاله:«الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ. ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ».
وذلك كلّه من خلقه إياهم بتمثيله ما مثّل لهم من الدلائل التى نصبها لهم، والأعلام التى جعلها إزاء قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم، ويسّر لهم خواطرهم وفكرهم، والهيئة التى هيّأهم لها، ليقع الأمر والنهى عليهم، فلا يكلّفهم فوق طاقتهم، ولا يجشّمهم ما يقصر عنه وسعهم، نظرا منه تبارك وتعالى إليهم، ورحمة بهم، ليؤمنوا به ويعبدوه، فيستحقّوا به رحمته ورضوانه، والخلود فى النعيم المقيم، والظلّ المديد، والعيش الدائم، كما قال تعالى ذكره:«إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ». وكان من نظره ورأفته بهم أن بعث فيهم أنبياءه ورسله، يدعونهم إلى طاعته، ويبينون لهم هداه، ويوضّحون لهم سبيله، ويهدونهم إلى رحمته، ويعدونهم ثوابه، وينذرونهم عقابه، ويبسطون لهم توبته، ويحذّرونهم سخطه، ويبيّنون لهم سننه وشرائعه، ويكشفون لهم مواعظه، ويعلّمونهم كتابه وحكمته، كما قال تبارك وتعالى:«لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ» وكان من رأفته بهم ونظره لهم أن بعثهم إليهم بالحجج الظاهرة، والأعلام البيّنة، والشواهد الناطقة، التى أظهر بها صدقهم، وأقام بها برهانهم، وأوضح بها دليلهم، وأثابهم عمل سواهم ليكون أدعى لهم إلى تصديقهم والقبول عنهم، وأوكد للحجّة على من أبى ذلك منهم».