للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعلم- أيّدك الله- أن أدوات ديوان جميع المحاسن، وآلات المكارم، طائعة منقادة لهذه الصناعة التى خطبتها، وتالية تابعة لها، وغير خارجة إلى جحد أحكامها، ولا دافعة لما يلزمها الإقرار به لها، إضرارا منها إليها، وعجزا عنها، فإن تقاضتك نفسك علمها، ونازعتك همّتك إلى طلها، فاتخذ البرهان دليلا شاهدا، والحقّ إماما قائدا، يقرّب مسافة ارتيادك، وبسهّل عليك سبل مطالبها، واستوهب الله توفيقا تستنجح به مطالبك، واستمنحه رشدا يقبل إليك بوجه مذاهبك، فاقصد فى ارتيادك، وتأمّل الصواب فى قولك وفعلك، ولا تسكن إلى جحود قصد السابق باللّجاج، ولا تخرج إلى إهمال حقّ المصيب بالمعاندة والإنكار، ولا تستخفّ بالحكمة ولا تصغرها حيث وجدتها، فترحل نافرة عن مواطنها من قلبك، وتظعن شاردة عن مكانها من بالك، وتتعفّى (١) بعد العمارة من قلبك آثارها، وتنطمس بعد الوضوح أعلامها.

واعلم أن الاكتساب بالتعلّم والتكلّف، وطول الاختلاف إلى العلماء، ومدارسة كتب الحكماء، فإن أردت خوض بحار البلاغة، وطلبت أدوات الفصاحة، فتصفّح من رسائل المتقدّمين ما تعتمد عليه، ومن رسائل المتأخرين ما ترجع إليه، فى تلقيح ذهنك، واستنجاح بلاغتك، ومن نوادر كلام الناس ما تستعين به، ومن الأشعار والأخبار والسّير والأسمار (٢) ما يتّسع به منطقك، ويعذب به لسانك، ويطول به قلمك، وانظر فى كتب المقامات والخطب، ومحاورات العرب، ومعانى العجم، وحدود المنطق، وأمثال الفرس ورسائلهم وعهودهم، وسيرهم ووقائعهم، ومكايدهم فى حروبهم، بعد أن تتوسط فى علم النحو والتصريف واللغة والوثائق والسور والشروط ككتب السّجلّات والأمانات، فإنه أول ما يحتاج إليه الكاتب، وتمهر (٣) فى نزع


(١) تعفى الأثر: درس وامحى.
(٢) فى الأصل «والأسماء» وهو تحريف.
(٣) وفى العقد «لتكون ماهرا».
(١٢ - جمهرة رسائل العرب- رابع)

<<  <  ج: ص:  >  >>