للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأوسع مجالا ومضطربا، فجعل الله حظّك حظّ الصابرين المحتسبين، الذين عرفوا فسلّموا، وأيقنوا فصبروا، وإنا لله وإنا إليه راجعون، أخذا بأدب الله الذى قرن به صلاته ورحمته، ورحم الله فلانا رحمة تأتى من وراء زلله، وتعفّى على فرطات لسانه ويديه، فلقد ظعن عن الدنيا محمودا مفقودا، قد أطال تفجّع عشيره وخليله، وصدع فى قلبه، وجافى جنبه، وأعدمه سلوة العوض، وراحة السكون إلى أحد.

وبعد، فإن الرّمض (١) والهلع إنما يكونان للمصيبة الخاصّة التى لا تعدو صاحبها، ولا يجد مسعدا عليها، ولا شريكا فيها، وقد أعانك الله على مصيبتك بالواشج (٢) رحما بك، والبعيد نسبا منك، وجمع فى ثقل محملها وألم فجعها صديقك وعدوّك، وكلّ مكتس منها سربال وحشة، ومنطو على دخيل حزن، وناظر من أعقابها فى منظر وعر، فجميعهم (٣) فيها مشترك، وأنت بالتعزّى حقيق قمن (٤)، على أنها لو خصّتك لكان فى علمك- بأن كل مصيبة سلمت من شائنة تنتقص ثوابها فهى النعمة الوافية، وكلّ مصيبة تحيّف (٥) جزعها أجرها فهى الرّزية الباقية- ما أغناك وكفاك عن أن تعيش من غيرك، أو تعوّل فى حظّك على سواك، وأن يتخطّى الجزع نعمة الله عليك إلى قلبك، أو يجتازها إلى عزمك، اللهمّ إلّا ما لا تملكه النفس فى بدء الصّدمة من لوعة الفرقة حتى تقسم أمرها، وتصير إلى أخذ مالها وترك ما عليها، فتفثأ (٦) بفوز قدحك، وبغنم سهمك، ويبقى الله أثرك منهجا لغيرك، فقديما وهب الله لك الخيرة فى رأيك، والتوفيق فى إيرادك وإصدارك، فله الحمد ومنه المعونة على الشكر، وبطوله يستحقّ المزيد، فإن رأيت أن تأمر


(١) الرمض: حرقة القيظ.
(٢) وشجت بك قرابته كوعد: اشتبكت، والواشجة: الرحم المشتبكة.
(٣) فى الأصل «فعجلك».
(٤) أى حقيق أيضا، بكسر الميم وفتحها وكأمير.
(٥) أى تنقص.
(٦) فثىء كفرح: انكسر غضبه، وفى الأصل فعثا» وربما كان «فتهنأ».

<<  <  ج: ص:  >  >>