للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسم فيه من آثار صنعه، وأبان فيه من دلائل تدبيره، إعذارا بحجّته، وتطوّلا بنعمته، وهداية إلى حقه، وإرشادا إلى سبيل طاعته «وهو الّذى يبدأ الخلق ثمّ يعيده وهو أهون عليه، وله المثل الأعلى فى السّموات والأرض وهو العزيز الحكيم».

والحمد لله العزيز القهّار، الملك الجبّار، الذى اصطفى الإسلام واختاره، وارتضاه وطهّره، وأعلاه وأظهره، فجعله حجة أهله على من شاقّهم (١)، ووسيلتهم إلى النصر على من عند (٢) فى حقهم، وابتغى غير سبيلهم، وبعث به رسله يدعون إلى حقه، ويهدون إلى سبيله بالآيات التى يبيّنون بها عن المخلوقين، ويوجبون بها الحجة على المخالفين، حتى انتهت كرامة الله إلى خاتم أنبيائه، وحامل كتابه، ومفتاح رحمته صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرّسل، واختلاف من الملل، ودثور (٣) من أعلام الحق، واستعلاء من الباطل، والناس عاندون عن سبيل ربهم، يتسافكون دماءهم، ويحلّون ما حرّم الله عليهم، ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم، وأيّده بالبرهان الواضح، والحجج القواطع، والآيات الشواهد، وأنزل عليه كتابه العزيز الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، وجعل فيه أوضح الدليل على رسالته، وأعدل الشواهد على نبوّته، إذ عجز المخلوقون عن أن يأتوا بمثله على مرّ الأيام، وكثرة الأعداء والمنازعين، يتحدّاهم به فى المواسم، ويقصدهم بحجّته فى المحافل، ولا يزدادون عنه إلا حسورا (٤) وعجزا، ولا تزداد حجة الله عليهم إلا تظاهرا وعلوّا، ثم أيّده بالنصر بأنصار ألّف بينهم بطاعته، وجمعهم على حقه، ولمّ شعثهم بنصرة دينه، بعد الشّقاق المتصل بينهم، والحرب المفرّقة لجماعتهم كما قال عز وجل: «هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ» وقدّم إليه وعده بالنّصرة والتمكين، فجعله بشرى للمؤمنين، وحجة على الكافرين، ودليلا على ما بعثه


(١) أى خالفهم وعاداهم.
(٢) أى مال.
(٣) دثر الأثر كدخل دثورا: درس.
(٤) أى كلالا وانقطاعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>