للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعرّفه مكانى، وتلزمه قضاء حقّ مثلى من خدمه، فكتب إليه كتابا بخطه، فوصّله إلى الطائى، فسيّب (١) له فى مدة شهر مقدار ألف دينار وعشرة أجمل، فانصرف بجميع ما يحبه، وكتب إلى أبى الصقر كتابا مضمّنه:

«أنا- أعزك الله- طليقك من الفقر، ونقيذك (٢) من البؤس، أخذت بيدى عند عثرة الدهر، وكبوة الكبر، وعلى أية حال حين فقدت الأولياء (٣) والأشكال، والإخوان والأمثال، الذين يفهمون فى غير تعب، وهم الناس الذين كانوا غياثا للناس، فحللت عقدة الخلّة (٤)، ورددت إلىّ بعد النفور النعمة، وكتبت لى كتابا إلى الطائى، فإنما كان منك إليك أثبته (٥)، وقد استصعبت (٦) علىّ الأمور، وأحاطت بى النوائب، فكثّر من بشره، وبذل من يسره، وأعطى من ماله أكرمه، ومن برّه أحكمه، مكرما لى مدة ما أقمت، ومثقّلا لى من فوائده لمّا ودّعت، حكّمنى فى ماله، فتحكمت، وأنت تعرف جورى إذا تمكنت، وزاد فى طوله (٧) فشكرت، فأحسن الله جزاك، وأعظم حماك، وقدّمنى أمامك، وأعاذنى من فقدك وحماك، فقد أنفقت علىّ مما ملّكك الله، وأنفقت من الشكر ما يسّره الله لى، والله عز وجل يقول: «لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ» فالحمد لله الذى جعل لك اليد العالية، والرّتبة الشريفة، لا أزال الله عن هذه الأمة ما بسط فيها من عدلك، وبثّ فيها من رفدك (٨)».

(زهر الآداب ٣: ٩٥)


(١) السيب: العطاء، وسيب هنا معناه: أعطاه.
(٢) النقيذ: المنقذ (بفتح القاف).
(٣) الأولياء: جمع ولى، وهو النصير، والأشكال: جمع شكل، وهو المثل.
(٤) الخلة: الفقر والحاجة، وفى المثل «الخلة تدعو إلى السلة» والسلة بالفتح: السرقة.
(٥) أثابه: رجعه ورده.
(٦) استصعب الأمر: صار صعبا كصعب وأصعب (واستصعبه: وجده صعبا، فهو لازم متعد).
(٧) الطول والتطول: التفضل والامتنان.
(٨) الرفد: العطاء والصلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>