للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طعامه، فيرى أن مائدته هى التى ذكر الله فى كتابه (١)، فمن أكل منها كان رقّا له بأكلته، تجرى عليه أحكامه، وينفذ فيه أمره، ضيفه أشدّ الناس شبها بالملائكة:

طعامه التسبيح، وشعاره الصبر، وكل حشمه طائفة من الجنّ، مبرّحون (٢) بالشّمّ دون الأكل، وبالمصّ دون الشرب، ولولا ما كفى الله من غربه (٣)، بالغرب (٤) الذى به لضجّت الأرض إلى الله من تيهه، ولتعبّدت الأئمة لله بالابتهال إليه من تجبّره، يرى أن قارون (٥) كان من بعض أكرته، والخضر (٦) صلوات الله عليه من بعض فيوجه، ولولا ما تقدّم من حقّه، وما سبق من مودته، والذى أنا عليه من الميل إلى ناحيته، والنّصرة لمذاهبه، والحيطة من ورائه، والذّبّ عنه، وأنى لا أرى أن أصفه إلا بأحسن ما فيه، ولا أستحلّ ذلك منه، لانطلق لسانى من وصف عجائبه، ولطيف بدائعه، بما لم يخطر على قلب بشر».

(اختيار المنظوم والمنثور ١٣: ٤١٩)


(١) يشير إلى قوله تعالى: «قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ».
(٢) برح به الأمر تبريحا: جهده واشتد عليه.
(٣) الغرب: الحدة.
(٤) بعينه غرب: إذا كانت تسيل فلا تنقطع دموعها.
(٥) قال تعالى: «إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ. وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ» كان ابن عم موسى وابن خالته، والأكار بالتشديد الحراث، جمعه أكرة، كأنه جمع آكر فى التقدير.
(٦) هو النبى الذى لقيه موسى عليه السلام، وفتاه يوشع بن نون، فى طريقهما، وفى ذلك يقول تعالى:
«فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً». والفيوج جمع فيج بالفتح: وهو رسول السلطان الذى يسعى بالكتب.

<<  <  ج: ص:  >  >>