الكوفة (١)، وكان فيما حكوا عن هؤلاء القرامطة من مذهبهم أن جاءوا بكتاب فيه:
«بسم الله الرحمن الرحيم، يقول الفرج بن عثمان، وهو من قرية يقال لها نصرانة:
إنه داعية إلى المسيح، وهو عيسى، وهو الكلمة، وهو المهدىّ، وهو أحمد بن محمد ابن الحنفيّة، وهو جبريل، وذكر أن المسيح تصوّر له فى جسم إنسان، وقال له:
إنك الداعية، وإنك الحجّة، والناقة، وإنك الدّابة، وإنك روح القدس، وإنك يحيى بن زكرياء، وعرّفه أن الصلاة أربع ركعات: ركعتان قبل طلوع الشمس، وركعتان قبل غروبها، وأن الأذان فى كل صلاة أن يقول: الله أكبر
(١) قال الطبرى: فكان ابتداء أمرهم قدوم رجل من ناحية خوزستان إلى سواد الكوفة، ومقامه بموضع منه يقال له النهرين، يظهر الزهد والتقشف، ويسف الخوص، ويأكل من كسبه، ويكثر الصلاة، فأقام على ذلك مدة، فكان إذا قعد إليه إنسان ذاكره أمر الدين، وزهده فى الدنيا، وأعلمه أن الصلاة المفترضة على الناس خمسون صلاة فى كل يوم وليلة، حتى فشا ذلك عنه بموضعه، ثم أعلمهم أنه يدعو إلى إمام من أهل بيت الرسول، فلم يزل على ذلك يقعد إليه الجماعة فيخبرهم من ذلك بما يعلق بقلوبهم، وكان يقعد إلى بقال فى القرية .... » إلى أن قال: «ثم من مرض فمكث مطروحا على الطريق وكان فى القرية رجل يحمل على أثوار له، أحمر العينين شديدة حمرتهما، وكان أهل القرية يسمونه «كرميته» لحمرة عينيه، وهو بالنبطية «أحمر العينين»، فكلم البقال كرميته هذا فى أن يحمل هذا العليل إلى منزله، ويوصى أهله بالإشراف عليه والعناية به، ففعل وأقام عنده حتى برىء، ثم كان يأوى إلى منزله، ودعا أهل القرية إلى أمره ووصف لهم مذهبه، فأجابه أهل تلك الناحية وكان يأخذ من الرجل إذا دخل فى دينه دينارا، ويزعم أنه يأخذ ذلك للإمام، فمكث بذلك يدعو أهل تلك القرى فيجيبونه، واتخذ منهم اثنى عشر نقيبا أمرهم أن يدعوا الناس إلى دينهم، وقال لهم: أنتم كحوارى عيسى بن مريم، فاشتغل أكرة تلك الناحية عن أعمالهم بمارسم لهم من الخمسين صلاة، التى ذكر أنها مفترضة عليهم، وكان للهيصم فى تلك الناحية ضياع، فوقف على تقصير أكرته فى العمارة، فسأل عن ذلك فأخبر أن إنسانا طرأ عليهم فأظهر لهم مذهبا من الدين، وأعلمهم أن الذى افترضه الله عليهم خمسون صلاة فى اليوم والليلة، فقد شغلوا بها عن أعمالهم، فوجه فى طلبه فأخذ وجىء به إليه، فسأله عن أمره، فأخبره بقصته، فحلف أن يقتله، فأمر به فحبس فى بيت وأقفل عليه الباب ووضع المفتاح تحت وسادته وتشاغل بالشرب، وسمع بعض من فى داره من الجوارى بقصته فرقت له، فلما نام الهيصم أخذت المفتاح من تحت وسادته وفتحت الباب وأخرجته، وأقفلت الباب وردت المفتاح إلى موضعه، فلما أصبح الهيصم دعا بالمفتاح ففتح الباب فلم يجده، وشاع بذلك الخبر، ففتن به أهل تلك الناحية، وقالوا: رفع، ثم ظهر فى موضع آخر، ولقى جماعة من أصحابه وغيرهم، فسألوه عن قصته فقال: ليس يمكن أحدا أن يبدأنى بسوء، ولا يقدر على ذلك منى، فعظم فى أعينهم، ثم خاف على نفسه فخرج إلى ناحية الشام فلم يعرف له خبر، وسمى باسم الرجل الذى كان فى منزله صاحب الأنوار كرميته، ثم خففت فقالوا قرمط».