للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد أن نقبت صفحته بطىّ المراحل، وسير الهجير، وإنى معلمك من خبره غير مقصّر ولا مطيل:

إن القوم استطالوا مدّته، واستقلّوا ناصره، واستضعفوه فى بدنه، وأمّلوا بقتله بسط أيديهم فيما كان قبضه عنهم، واعصوصبوا (١) عليه، فظلّ محاصرا قد منع من صلاة الجماعة، وردّ المظالم، والنظر فى أمور الرعية، حتى كأنه هو فاعل لما فعلوه، فلما دام ذلك أشرف عليهم، فخوّفهم الله وناشدهم وذكّرهم مواعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله فيه (٢)، فلم يجحدوا فصله ولم ينكروه، ثم رموه بأباطيل اختلقوها ليجعلوا ذلك ذريعة إلى قتله، فأظهر لهم التوبة مما كرهوا، ووعدهم الرّجعة إلى ما أحبوا، فلم يقبلوا ذلك، ونهبوا داره، وانتهكوا حرمته، ووثبوا عليه فسفكوا دمه، وانقشعوا (٣) عنه انقشاع سحابة قد أفرغت ماءها، منكفئين قبل ابن أبى طالب انكفاء الجراد أبصر المرعى، فأخلق ببنى أمية أن يكونوا من هذا الأمر بمجرى


(١) من اعصوصبت الإبل: أى اجتمعت.
(٢) ورى الطبرى قال: «أشرف عليهم عثمان رضى الله عنه ذات يوم، فقال: أنشدكم بالله هل علمتم أنى اشتريت رومة من مالى يستعذب بها (ورومة بالضم: بئر بالمدينة) فجعلت رشائى منها كرشاء رجل من المسلمين؟ قيل: نعم، قال: فما يمنعنى أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر؟ قال: أنشدكم الله هل علمتم أنى اشتريت كذا وكذا من الأرض فزدته فى المسجد؟ قيل: نعم، قال: فهل علمتم أحدا من الناس منع أن يصلى فيه قبلى؟ قال: أنشدكم الله هل سمعتم نبى الله صلى الله عليه وسلم يذكر كذا وكذا، أشياء فى شأنه ... الخ» - ج ٥: ص ١٢٥.
وروى ابن الأثير فى أسد الغابة (ج ٣. ص ٣٨٠) قال: «أشرف عثمان من القصر وهو محصور فقال: أنشد بالله، من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حراء إذ اهتز الجبل فركله برجله، ثم قال: اسكن حراء، ليس عليك إلا نبى أو صديق أو شهيد، وأنا معه، فانتشد له رجال، ثم قال: أنشد بالله، من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بيعة الرضوان، إذ بعثنى إلى المشركين إلى أهل مكة، قال: هذه يدى وهذه يد عثمان، فبايع لى؟ فانتشد له رجال، قال: أنشد الله، من شهد رسول الله قال: من يوسع هذا البيت فى المسجد ببيت له فى الجنة؟ فابتعته من مالى فوسعت به فى المسجد، فانتشد له رجال، ثم قال: وأنشد بالله، من شهد رسول الله يوم جيش العسرة قال: من ينفق اليوم نفقة متقبلة؟
فجهزت نصف الجيش من مالى، فانتشد له رجال، قال: وأنشد بالله، من شهد رومة يباع ماؤها من ابن السبيل، فابتعتها من مالى فأبحتها ابن السبيل؟ فانتشد له رجال».
(٣) أى تفرقوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>