للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مناويك (١) كالمنقلب من العيّوق، فهوى به عاصف الشّمال إلى لجّة البحر.

كتبت إلىّ تذكر كنّ الجيش، ولين العيش، فملأت بطنى على حرام، إلّا مسكة (٢) الرّمق، حتى أفرى أوداج قتلة عثمان فرى الأهب بشبا الشّفار، وأما اللّين فهيهات، إلا خفية المرتقب يرتقب غفلة الطالب، إنا على مداجاة (٣)، ولمّا نبد صفحاتنا بعد، وليس دون الدّم بالدم مزحل، إن العار منقصة، والضعف ذل، أيخبط قتلة عثمان زهرة الحياة الدنيا، ويسقون برد المصير، ولمّا يمتطوا (٤) الخوف، ويستحلسوا الحذر بعد مسافة الطّرد، وامتطاء العقبة الكئود فى الرّحلة؟

لا دعيت لعقبة إن كان ذلك، حتى أنصب لهم حربا تضع الحوامل لها أطفالها، قد ألوت (٥) بنا السّاقة، ووردنا حياض المنايا، وقد عقلت نفسى على الموت عقل البعير، واحتسبت أنى ثانى عثمان أو أقتل قاتله، فعجّل علىّ ما يكون من رأيك، فإنّا منوطون بك متّبعون عقبك، ولم أحسب الحال تتراخى بك إلى هذه الغاية لما أخافه من إحكام القوم أمرهم».

وكتب فى أسفل الكتاب:

نومى علىّ محرّم إن لم أقم ... بدم ابن أمّى من بنى العلّات (٦)

قامت علىّ (إذا قعدت ولم أقم ... بطلاب ذاك) مناحة الأموات

عذبت حياض الموت عندى بعدما ... كانت كريهة مورد النّهلات (٧)


(١) المناوى: المعادى، وعاصف الشمال: أى ريح الشمال العاصفة.
(٢) المسكة: ما يمسك الأبدان من الغذاء والشراب أو ما يتبلغ به منهما، وفرى كرمى: شق وقطع، والأوداج جمع ودج كسبب وهو عرق فى العنق، وهما ودجان، والأهب جمع إهاب ككتاب وهو الجلد، وشبا جمع شباة وهى حد كل شئ والشفار جمع شفرة بالفتح وهى السكين العظيم.
(٣) المداجاة: المداراة، وأبدى له صفحته: جاهره بالعداوة، ومزحل: معبد: من زحل كمنع.
(٤) امتطى الدابة: جعلها مطية، وفى الأصل «ولما يتمطوا» وهو تحريف، واستحلس فلان الخوف: إذا لم يفارقه الخوف، وعقبة كئود وكأداء: صعبة.
(٥) ألوى بهم الدهر: أهلكهم، والساقة جمع سائق: يعنى من صار بيدهم زمام الأمر؛ وفى الأصل «المسافة» وأراه محرفا، وعقل البعير: ، شد وظيفه إلى ذراعه.
(٦) بنو العلات. بنو أمهات شتى من رجل واحد.
(٧) نهل كفرح نهلا بالتحريك: شرب الشرب الأول حتى روى.

<<  <  ج: ص:  >  >>