للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شغلته بزينتها عما هو أنفع له منها، وبالآخرة أمرنا، وعليها حثثنا، فدع يا معاوية ما يفنى، واعمل لما يبقى، واحذر الموت الذى إليه مصيرك، والحساب الذى إليه عاقبتك، واعلم أن الله تعالى إذا أراد بعيد خيرا حال بينه وبين ما يكره، ووفقّه لطاعته.

وإذا أراد الله بعبد سوءا أغراه بالدنيا وأنساه الآخرة، وبسط له أمله، وعاقه عما فيه صلاحه، وقد وصلنى (١) كتابك فوجدتك ترمى غير غرضك، وتنشد غير ضالّتك، وتخبط فى عماية (٢)، وتتيه فى ضلالة، وتعتصم بغير حجّة، وتلوذ بأضعف شبهة.

فأما سؤالك المتاركة والإقرار لك على الشأم، فلو كنت فاعلا ذلك اليوم لفعلته أمس، وأما قولك إن عمر ولّا كه فقد عزل (٣) من كان ولّاه صاحبه، وعزل عثمان من كان عمر ولّاه (٤)، ولم ينصب للناس إمام إلا ليرى من صلاح الأمة ما (٥) قد كان ظهر لمن قبله، أو أخفى عنهم عيبه، والأمر يحدث بعده الأمر، ولكل وال رأى واجتهاد.

فسبحان الله! ما أشدّ لزومك للأهواء المبتدعة، والحيرة المتّبعة، مع تضييع الحقائق، واطّراح الوثائق، التى هى لله تعالى طلبة، وعلى عباده حجّة، فأما إكثارك الحجاج فى عثمان وقتلته، فإنك إنما نصرت عثمان حيث كان النصر لك (٦)، وخذلته حيث كان النصر (٧) له، والسلام».

(شرح ابن أبى الحديد م ٤: ص ٥٧، ونهج البلاغة ٢: ٤٤)


(١) جاء فى القاموس المحيط: «وصل الشئ ووصل إليه: بلغه وانتهى إليه» - فهو بهذا المعنى يستعمل متعديا ولازما.
(٢) العماية: الضلال.
(٣) يريد خالد بن الوليد، فقد تقدم لك أن عمر لما ولى الخلافة عزله وولى أبا عبيدة قيادة جند الشأم بدله.
(٤) أى من عمال الأمصار غير معاوية فقد استبقاه على الشام.
(٥) فى الأصل «أما ما قد كان .. الح» وهو تحريف
(٦) أى حيث كان فيه فائدة لك، فأنت الآن تنهض للثأر به رجاء تحقيق مآربك.
(٧) أى حيث كان فيه فائدة له، فقد استنصر بك حين حصر فتربصت به.

<<  <  ج: ص:  >  >>