(٢) حرب هو حرب بن أمية جد معاوية، وعبد المطلب جد على وقد تنافرا أيضا. وسبب ذلك، أن عبد المطلب كان له جار يهودى يقال له أذينة، يتجر وله مال كثير، فغاظ ذلك حرب بن أمية، وكان نديم عبد المطلب، فأغرى به فتيانا من قريش ليقتلوه ويأخذوا ماله، فقتله عامر بن عبد مناف بن عبد الدار، وصخر بن عمرو بن كعب التيمى جد أبى بكر، ولم يعرف عبد المطلب قاتله، فلم يزل يبحث حتى عرفهما، وإذا هما قد استجارا بحرب بن أمية، فأتى حربا ولامه، وطلبهما منه فأخفاهما، فتغالظا فى القول، حتى تنافرا إلى النجاشى ملك الحبشة فأبى أن ينفر بينهما (نفره عليه: قضى له عليه بالغلبة) فجعلا بينهما نفيل ابن عبد العزى بن رياح، فقال لحرب: «يا أبا عمرو: أتنافر رجلا هو أطول منك قامة، وأعظم منك هامة. وأوسم منك وسامة (والوسامة بالفتح: الحسن والجمال) وأقل منك ملامة، وأكثر منك ولدا، وأجزل صفدا (والصفد بالتحريك: العطاء) وأطول منك مذودا (والمذود كمنبر: اللسان) وإنى لأقول هذا وإنك لبعيد الغضب، رفيع الصوت فى العرب، جلد المريرة (أى العزيمة) جليل العشيرة، ولكنك نافرت منفرا» فغضب حرب وقال: إن من انتكاس الزمان أن جعلت حكما، فترك عبد المطلب منادمة حرب، ونادم عبد الله بن جدعان، وأخذ من حرب مائة ناقة. فدفعها إلى ابن عم اليهودى، وارتجع ماله إلا شيئا هلك فغرمه من ماله- انظر تاريخ الطبرى ج ٢: ١٨١ وتاريخ الكامل لابن الأثير ٢: ٦. فقد بان لك وجه النظير فى قول الإمام، وقال ابن أبى الحديد: «وكان الترتيب يقتضى أن يجعل هاشما بإزاء عبد شمس لأنه أخوه فى قعدد (والقعدد كبرثن: القربى) وكلاهما ولد عبد مناف لصلبه، وأن يكون أمية بإزاء عبد المطلب وأن يكون حرب بإزاء أبى طالب وأن يكون أبو سفيان بإزاء أمير المؤمنين عليه السلام، لأن كل واحد من هؤلاء فى قعدد صاحبه، إلا أن أمير المؤمنين عليه السلام لما كان فى صفين بإزاء معاوية اضطر إلى أن جعل هاشما بإزاء أمية بن عبد شمس» وهذا القول ليس هناك لما قدمنا، ولأن سلسلتى نسب على ومعاوية إلى عبد مناف ليستا متكافئتين بطبيعتهما، فهى تزيد فى معاوية حلقة، فمعاوية هو ابن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وعلى هو ابن أبى طالب بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف، فكيف يكون التنظير على قول ابن أبى الحديد؟