للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من انتحالك ما قد علا عنك (١)، وابتزازك لما قد اختزن دونك، فرارا من الحقّ (٢)، وجحودا لما هو ألزم لك من لحمك ودمك، مما قد وعاه سمعك وملئ به صدرك، فماذا بعد الحق إلا الضلال المبين، وبعد البيان إلا اللّبس، فاحذر الشّبهة واشتمالها على لبستها (٣)، فإن الفتنة طالما أغدفت جلابيبها، وأغشت الأبصار ظلمتها (٤).

وقد أتانى كتاب منك ذو أفانين (٥) من القول ضعفت قواها عن السّلم، وأساطير لم يحكها منك علم ولا حلم، أصبحت منها كالخائض فى الدّهاس (٦)، والخابط فى الدّيماس، وترقّيت إلى مرقبة (٧) بعيدة المرام، نازحة الأعلام، تقصر دونها الأنوق (٨)، ويحاذى بها العيّوق.

وحاش لله أن تلى للمسلمين بعدى صدرا أو وردا، أو أجرى لك على أحد منهم عقدا أو عهدا، فمن الآن فتدارك نفسك، وانظر لها، فإنك إن فرّطت حتى ينهد (٩) إليك عباد الله، أرتجت عليك الأمور، ومنعت أمرا هو منك اليوم مقبول، والسلام».

(نهج البلاغة ٢: ٩٠)


(١) يعنى الخلافة، والابتزاز: الاستلاب.
(٢) أى من التمسك به.
(٣) اللبسة: الاشتباه والإشكال، وأغدفت المرأة قناعها: أرسلته على وجهها، وأغدف الليل:
أرخى سدوله.
(٤) أى وجعلت ظلمتها غشاء للأبصار، ويروى «وأعشت» فظلمتها فاعل.
(٥) أى أساليب وطرائق، وحاكه: نسجه، ونسج الكلام: تأليفه، والأساطير: الأباطيل، جمع أسطورة بالضم أو إسطارة بالكسر.
(٦) الدهاس بالفتح: المكان السهل اللين لا يبلغ أن يكون رملا وليس بتراب ولا طين، والديماس بالفتح والكسر: السرب المظلم، وأصله من دمس الليل فهو دامس: أى اشتدت ظلمته، وكان للحجاج سجن يسمى الديماس لظلمته.
(٧) المرقبة: الموضع المشرف يرتفع عليه الرقيب، ونازحة، بعيدة، والأعلام: جمع علم بالتحريك:
هو ما ينصب فى الطريق ليهتدى به.
(٨) الأنوق: الرخمة، وفى المثل «أعز من بيض الأنوق» لأنها تحرزه ولا يكاد أحد يظفر به، لأن أو كارها فى رءوس الجبال والأماكن الصعبة البعيدة، والعيوق: نجم أحمر مضئ يتلو الثريا.
(٩) ينهد: ينهض، وأرتجت: أى أغلقت.

<<  <  ج: ص:  >  >>