للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمير المؤمنين، فقال: أنا باعث الآن بصدر (١) منه، ثم أبعث بصدر آخر كذلك، حتى لا يبقى منه شئ، إن شاء الله تعالى.

وأقبل معقل إلى أمير المؤمنين علىّ، وأخبره بما كان منه فى ذلك، وانتظر علىّ مصقلة أن يبعث إليه بالمال فأبطأ به، وبلغ عليّا أن مصقلة خلّى سبيل الأسارى ولم يسألهم أن يعينوه فى فكاك أنفسهم بشئ، فقال: ما أرى مصقلة إلا قد تحمل حمالة (٢)، ولا أراكم إلا سترونه عن قريب مبلدحا (٣)، ثم إنه كتب إليه:

«أما بعد: فإن من أعظم الخيانة خيانة الأمة، وأعظم الغش على أهل المصر غش الإمام، وعندك من حق المسلمين خمسمائة ألف درهم، فابعث بها إلىّ ساعة يأتيك رسولى، وإلّا فأقبل إلىّ حين تنظر فى كتابى، فإنى قد تقدّمت إلى رسولى إليك ألّا يدعك أن تقيم ساعة واحدة بعد قدومه عليك إلّا أن تبعث بالمال، والسلام عليك».

فلما قرأ كتابه أقبل حتى نزل البصرة فمكث بها أياما، ثم إن ابن عباس سأله المال- وكان عمال البصرة يحملون المال من كور البصرة إلى ابن عباس، ويكون ابن عباس هو الذى يبعث به إلى علىّ- فقال له: أنظرنى (٤) أياما، ثم أقبل حتى أتى عليّا بالكوفة فأقرّه أياما، ثم سأله المال، فأدّى إليه مائتى ألف درهم، ثم إنه عجز عن الباقى فلم يقدر عليه، وما لبث أن لحق بمعاوية.

وبلغ ذلك عليا فقال: ماله- ترّحه الله (٥) - فعل فعل السيد، وفرّ فرار العبد، وخان خيانة الفاجر! أما والله لو أنه أقام فعجز ما زدنا على حبسه، فإن وجدنا له شيئا أخذناه، وإن لم نجد له مالا تركناه».

(تاريخ الطبرى ٦: ٧٥، وشرح ابن أبى الحديد م ١ ص ٢٧٠)


(١) الصدر: الطائفة من الشئ:
(٢) الحمالة: الدية يحملها قوم عن قوم.
(٣) بلدح: وعد ولم ينجز العدة، وأعيا وبلد:
(٤) أى أمهلنى.
(٥) ترحه: أى أحزنه، من الترح بالتحريك ضد الفرح.

<<  <  ج: ص:  >  >>