للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«إنى والله لو لقيتهم واحدا، وهم طلاع (١) الأرض كلها، ما باليت ولا استوحشت، وإنى من ضلالهم الذى هم فيه، والهدى الذى أنا عليه، لعلى بصيرة من نفسى، ويقين من ربى، وإنى إلى لقاء الله لمشتاق، ولحسن ثوابه لمنتظر راج، ولكنى آسى (٢) أن يلى أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجّارها، فيتخذوا مال الله دولا (٣) وعباده خولا، والصالحين حربا، والفاسقين حزبا، فإن منهم الذى قد شرب فيكم الحرام، وجلد حدّا فى الإسلام (٤)، وإن منهم من لم يسلم حتى رضخت له على الإسلام الرّضائخ (٥)، فلولا ذلك ما أكثرت تأليبكم (٦) وتأنيبكم، وجمعكم وتحريضكم، ولتركتكم إذ أبيتم وونيتم.


(١) طلاع الشئ: ملؤه.
(٢) أسى يأسى كفرح: حزن.
(٣) دولا: جمع دولة بالضم، يقال: صار الفئ دولة بينهم: أى يتداولونه، يكون مرة لهؤلاء، ومرة لهؤلاء، والخول: العبيد والإماء وغيرهم من الحاشية، وحربا أى أعداء.
(٤) يعنى الوليد بن عقبة بن أبى معيط- انظر ما قدمناه فى ص ٢٦٠ -
(٥) رضخ له من ماله كمنع: أعطاه، والرضيخة: العطية المقاربة، والجمع رضائخ، وقوله «من لم يسلم» يصح أن يكون على حقيقته أو أن يكون معناه من لم يثبت على إسلامه، يعنى أن من أنصار معاوية وأشياعه قوما من المؤلفة قلوبهم الذين استمالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغبهم فى الإسلام بما أعطاهم من غنائم حنين (وكانت غزوة حنين سنة ثمان بعد فتح مكة) وكان معاوية وأبوه أبو سفيان من المؤلفة قلوبهم، الذين نالوا عطاء الرسول. روى الطبرى قال: «أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم، وكانوا أشرافا من أشراف الناس، يتألفهم ويتألف بهم قومهم، فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير، وأعطى ابنه معاوية مائة بعير .... إلى آخر الخبر- انظر تاريخ الطبرى ج ٣: ص ١٣٦، وانظر أيضا سيرة ابن هشام ج ٢: ص ٣٢٠، وقال ابن أبى الحديد: «فأما الذى رضخت له على الإسلام الرضائخ فمعاوية ... ».
وقال أيضا: «وقال الراوندى: عنى بقوله رضخت لهم الرضائخ عمرو بن العاص، وليس بصحيح، لأن عمرا لم يسلم بعد الفتح، وأصحاب الرضائخ كلهم بعد الفتح صونعوا على الإسلام بغنائم حنين، ولعمرى إن إسلام عمرو كان مدخولا أيضا، إلا أنه لم يكن عن رضيخة ... وقال الأستاذ الشيخ محمد عبده فى تفسيره: «قالوا إن عمرو بن العاص لم يسلم حتى طلب عطاء من النبى فلما أعطاه أسلم» وقد عرفت ما فيه وتعقب ابن أبى الحديد الراوندى أيضا فقال: «فأما الذى شرب الحرام فقد قال الراوندى هو المغيرة بن شعبة، وأخطأ فيما قال، لأن المغيرة إنما اتهم بالزنا ولم يحد، ولم يجر للمغيرة ذكر فى شرب الخمر، وأيضا فإن المغيرة لم يشهد صفين مع معاوية ولا مع على عليه السلام، وما للراوندى ولهذا؟ إنما يعرف هذا الفن أربابه اه» وقد ذكر فى مقدمة شرحه أن الراوندى (وقد شرح نهج البلاغة قبل ابن أبى الحديد) كان من فقهاء الإمامية، وأنه اقتصر مدة عمره على الاشتغال بعلم الفقه وحده.
(٦) التأليب: التحريض والإغراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>