للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسار ابن الحضرمى حتى نزل البصرة فى بنى تميم، وسمع بقدومه أهلها، فاجتمع إليه رءوسهم، فخطبهم بما أمره به معاوية، وقام بعضهم فسفّه رأيه، وتبودلت الخطب فى هذا المقام، ففضّ ابن الحضرمى كتاب معاوية وقرأه عليهم، فإذا فيه:

«من عبد الله معاوية أمير المؤمنين، إلى من قرئ كتابى هذا عليه من المؤمنين والمسلمين من أهل البصرة:

سلام عليكم، أما بعد: فإن سفك الدماء بغير حلّها، وقتل النفوس التى حرّم الله قتلها، هلاك موبق (١)، وخسران مبين، لا يقبل الله ممن سفكها صرفا ولا عدلا (٢)، وقد رأيتم رحمكم الله آثار ابن عفان، وسيرته، وحبّه للعافية ومعدلته، وسدّه للثّغور، وإعطاءه فى الحقوق، وإنصافه للمظلوم، وحبّه للضعيف، حتى توثّب عليه المتوثّبون، وتظاهر (٣) عليه الظّالمون، فقتلوه مسلما محرما (٤)، ظمآن صائما، لم يسفك فيهم دما، ولم يقتل منهم أحدا، ولا يطلبونه بضربة سيف ولا سوط، وإنما ندعوكم أيها المسلمون إلى الطلب بدمه، وإلى قتال من قتله، فإنا وإياكم على أمر هدى واضح، وسبيل مستقيم، إنكم إن جامعتمونا طفئت النّائرة (٥)، واجتمعت الكلمة، واستقام أمر هذه الأمة، وأقرّ الظالمون المتوثبون الذين قتلوا إمامهم بغير حق، فأخذوا بجرائرهم (٦)، وما قدّمت أيديهم.

إن لكم أن أعمل فيكم بالكتاب، وأن أعطيكم فى السّنة عطاءين، ولا أحتمل فضلا من فيئكم عنكم أبدا، فسارعوا إلى ما تدعون إليه- رحمكم الله-.


(١) أوبقه: أهلكه.
(٢) انظر ص ٣٣.
(٣) أى تعاونوا عليه.
(٤) المحرم: الذى له حرمة، والذى يحرم علينا قتاله.
(٥) النائرة: العداوة والشحناء، وطفئت النار: انطفأت.
(٦) الجرائر جمع جريرة: وهى الجريمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>