للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«أما بعد: فإنه غرّتك قلاع تأوى إليها ليلا، كما تأوى الطير إلى وكرها، وايم الله لولا انتظارى بك ما الله أعلم به، لكان لك منى ما قاله العبد الصالح (١):

«فلنأتينّهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنّهم منها أذلّة وهم صاغرون» وكتب فى أسفل الكتاب شعرا من جملته:

تنسى أباك وقد شالت نعامته ... إذ تخطب الناس والوالى لهم عمر (٢)

(شرح ابن أبى الحديد م: ٤ ص ٦٧)


- فى كسر الخراج، فغلب أهل كل ناحية على ما يليهم وأخرجوا عمالهم، فاستشار على الناس فى رجل يوليه فارس، فقال له جارية بن قدامة: ألا أدلك يا أمير المؤمنين على رجل صليب الرأى عالم بالسياسة كاف لما ولى؟ قال: من هو؟ قال: زياد، قال: هو لها، فولاه فارس وكرمان، ووجهه فى أربعة آلاف، فدوخ تلك البلاد حتى استقاموا. وذكروا أنه لما قدم فارس بعث إلى رؤسائها، فوعد من نصره ومناه، وخوف قوما وتوعدهم، وضرب بعضهم ببعض، ودل بعضهم على عورة بعض، وهربت طائفة، وأقامت طائفة، فقتل بعضهم بعضا. وصفت له فارس، فلم يلق فيها جمعا ولا حربا، وفعل مثل ذلك بكرمان، ثم رجع إلى فارس فسار فى كورها ومناهم، فسكن الناس إلى ذلك فاستقامت له البلاد، وأنى إصطخر فنزلها وحصن قلعة بها ما بين بيضاء وإضطخر فكانت تسمى قلعة زياد وحدث رجل من أهل إصطخر قال: أدركت زيادا وهو أمير على فارس وهى تضرم نارا، فلم يزل بالمداراة حتى عادوا إلى ما كانوا عليه من الطاعة والاستقامة، لم يقف موقفا للحرب، وكان أهل فارس يقولون: ما رأينا سيرة أشبه بسيرة كسرى أنوشروان من سيرة هذا العربى فى اللين والمداراة والعلم بما يأتى- انظر تاريخ الطبرى ٦: ٧٩ - .
(١) يعنى سليمان عليه السلام، قال ذلك لرسول بلقيس ملكة سبأ باليمن وقد بعثت إليه بهدية.
(٢) روى الطبرى أنه لما فتحت جلولاء- من بلاد الفرس سنة ١٦ هـ- بعث سعد بن أبى وقاص بأخماس الغنائم مع قضاعى بن عمرو الدؤلى، وبعث بالسبى مع أبى مفرز الأسود، وبعث الحساب مع زياد- وكان زياد الذى يكتب للناس ويدونهم- فلما قدموا على عمر كلم زياد عمر فيما جاء له ووصف له، فقال عمر: هل تستطيع أن تقوم فى الناس بمثل الذى كلمتنى به؟ فقال: والله ما على الأرض شخص أهيب فى صدرى منك، فكيف لا أقوى على هذا من غيرك؟ فقام فى الناس بما أصابوا وبما صنعوا وبما يستأذنون فيه من الانسياح فى البلاد، فقال عمر: هذا الخطيب المصقع! فقال: إن جندنا أطلقوا بالفعال لساننا- انظر تاريخ الطبرى ٤: ١٨٢.
وفى رواية ابن أبى الحديد أن عمر بعث زيادا فى إصلاح فساد واقع باليمن، فلما رجع من وجهه خطب- وهو حدث- عند عمر خطبة لم يسمع مثلها، وأبو سفيان حاضر وعلى عليه السلام وعمرو بن العاص، فقال عمرو: لله أبو هذا الغلام، لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه، فقال أبو سفيان: أما والله إنه لقرشى، ولو عرفت أباه لعرفت أنه من خير أهلك، فقال: ومن أبوه؟ قال: أنا والله وضعته فى رحم أمه، فقال على:
فما يمنعك من استلحاقه؟ قال أخاف هذا العير الحالس أن يخرق على إهابى- انظر شرح ابن أبى الحديد م ٤: ص ٦٧ وم ١: ص ٥٨، والعقد الفريد ٣: ٣ - وشالت نعامتهم: إذا ماتوا وتفرقوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>