للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن بعض ما يكره الناس- ما لم يتعدّ الحقّ، وكانت عواقبه تؤدى إلى ظهور العدل، وعزّ الدين- خير من كثير مما يحبه الناس، إذا كانت عواقبه تدعو إلى ظهور الجور، وذلّ المؤمنين، وعزّ الفاجرين، واقتد بما جاء عن أئمة العدل، فقد جاء عنهم:

«إنه لا يصلح الكذب إلا فى حرب أو إصلاح بين الناس، فإن الحرب خدعة (١)» ولك فى ذلك سعة، إذا كنت محاربا، ما لم تبطل حقّا.

واعلم أن عليّا أباك إنما رغّب الناس عنه إلى معاوية أنه آسى (٢) بينهم فى الفىء، وسوّى بينهم فى العطاء، فثقل عليهم. واعلم أنك تحارب من حارب الله ورسوله فى ابتداء الإسلام، حتى ظهر أمر الله، فلما وحّد الربّ، ومحق الشّرك، وعزّ الدين، أظهروا الإيمان، وقرءوا القرآن مستهزئين بآياته، وقاموا إلى الصلاة وهم كسالى، وأدّوا الفرائض وهم لها كارهون، فلما رأوا أنه لا يعزّ فى الدين إلا الأتقياء الأبرار، توسّموا بسيمى الصالحين، ليظن المسلمون بهم خيرا، فما زالوا بذلك حتى شركوهم فى أماناتهم، وقالوا حسابهم على الله، فإن كانوا صادقين فإخواننا فى الدين، وإن كانوا كاذبين كانوا بما اقترفوا هم الأخسرين، وقد منيت بأولئك وبأبنائهم وأشباههم، والله ما زادهم طول العمر إلا غيّا، ولا زادهم ذلك لأهل الدين إلا مقتا، فجاهدهم ولا ترض دنيّة، ولا تقبل خسفا (٣)، فإن عليّا لم يجب إلى الحكومة حتى غلب على أمره فأجاب، وإنهم يعلمون أنه أولى بالأمر إن حكموا بالعدل، فلما حكموا بالهوى رجع إلى ما كان عليه حتى أتى عليه أجله، ولا تخرجنّ من حقّ أنت أولى به، حتى يحول الموت دون ذلك، والسلام».

(شرح ابن أبى الحديد م ٤ ص: ٨، والعقد الفريد ١: ٩، ٢: ٢٤٤)


(١) الحرب خدعة مثلثة الخاء، وبضمها مع فتح الدال أى تنقضى بخدعة.
(٢) آسى بينهم: أى سوى.
(٣) ذلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>