للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمدا رسول الله من الفضل، وهو أحق الأولين والآخرين بالفضل كلّه، قديمه وحديثه، وصغيره وكبيره، وقد والله بلّغ وأدّى، ونصح وهدى، حتى أنقذ الله به من الهلكة، وأنار به من العمى، وهدى به من الجهالة والضّلالة، فجزاه الله أفضل ما جزى نبيّا عن أمته، وصلوات الله عليه يوم ولد، ويوم بعث، ويوم قبض، ويوم يبعث حيا، وذكرت وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، وتنازع المسلمين الأمر بعده، وتغلّبهم على أبيك، فصرّحت بتهمة أبى بكر الصديق، وعمر الفاروق، وأبى عبيدة الأمين، وحوارىّ (١) رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلحاء المهاجرين والأنصار، فكرهت ذلك لك، إنك امرؤ عندنا وعند الناس غير الظّنين ولا المسئ ولا اللئيم، وأنا أحب لك القول السديد، والذكر الجميل.

إن هذه الأمة لما اختلفت بينها، لم تجهل فضلكم ولا سابقتكم ولا قرابتكم من نبيكم، ولا مكانكم فى الإسلام وأهله، فرأت الأمة أن تخرج من هذا الأمر لقريش لمكانها من نبيها، ورأى صلحاء الناس من قريش والأنصار وغيرهم من سائر الناس وعوامّهم أن يولّوا هذا الأمر من قريش أقدمها إسلاما، وأعلمها بالله، وأحبّها له، وأقواها على أمر الله، فاختاروا أبا بكر، وكان ذلك رأى ذوى الدين والفضل والناظرين للأمة، فأوقع ذلك فى صدوركم لهم التّهمة، ولم يكونوا متّهمين، ولا فيما أتوا بالمخطئين، ولو رأى المسلمون أن فيكم من يغنى غناءه (٢). ويقوم مقامه، ويذبّ عن حريم الإسلام ذبّه، ما عدلوا بالأمر إلى غيره رغبة عنه، ولكنهم عملوا فى ذلك بما رأوه صلاحا للإسلام وأهله، والله يجزيهم عن الإسلام وأهله خيرا.

وقد فهمت الذى دعوتنى إليه من الصلح، والحال فيما بينى وبينك اليوم مثل الحال التى كنتم عليها أنتم وأبو بكر بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، فلو علمت أنك أضبط منى للرعية، وأحوط على هذه الأمة، وأحسن سياسة، وأقوى على جمع الأموال،


(١) هو الزبير بن العوام، والحوارى: الناصر أو ناصر الأنبياء.
(٢) الغناء: النفع، وأغنى غناءه: أجزأ عنه وقام مقامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>