للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدينة حاجا، وكان من أمره معهم ما كان (١)

(الإمامة والسياسة ١: ١٣٢)


(١) وذلك أنه لما دنا منها استقبله أهلها، فيهم: عبد الله بن عمر. وعبد الله بن الزبير، والحسين ابن على، وعبد الرحمن بن أبى بكر، فأقبل على ابن أبى بكر، فسبه وقال: لا مرحبا بك ولا أهلا، فلما دخل الحسين عليه قال: لا مرحبا بك ولا أهلا، بدنة يترقرق دمها والله مهريقه «والبدنة بالتحريك من الإبل والبقر كالأضحية من الغنم تهدى إلى مكة، للذكر والأنثى» فلما دخل عليه ابن الزبير، قال:
لا مرحبا بك ولا أهلا، ضب تلعة، فدخل رأسه تحت ذنبه «والتلعة كوردة: ما ارتفع من الأرض وما انهبط منها» فلما دخل عبد الله بن عمر، قال: لا مرحبا بك ولا أهلا، وسبه، فقال: إنى لست بأهل لهذه المقالة، قال: بلى، ولما هو بشر منها، فدخل معاوية المدينة وأقام بها، وخرج هؤلاء الرهط معتمرين، فلما كان وقت الحج خرج معاوية حاجا، فأقبل بعضهم على بعض، فقالوا: لعله قد ندم فأقبلوا يستقبلونه، فلما دخل ابن عمر، قال: مرحبا بصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن الفاروق، هاتوا لأبى عبد الرحمن دابة، وقال لابن أبى بكر: مرحبا بشيخ قريش وسيدها وابن الصديق، هاتوا له دابة، وقال لابن الزبير: مرحبا بابن حوارى رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمته، هاتوا له دابة، وقال للحسين: مرحبا بابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيد شباب المسلمين قربوا لأبى عبد الله دابة، وجعلت ألطافه «جمع لطف بالتحريك وهو الهدية» تدخل عليهم ظاهرة يراها الناس، ويحسن إذنهم وشفاعتهم، وحملهم على الدواب. وخرج حتى أتى مكة فقضى حجه، ولما أراد الشخوص أمر بأثقاله فقدمت وأمر بالمنبر فقرب من الكعبة، ثم أرسل إليهم، فاجتمعوا وقالوا: من يكلمه؟ فأقبلوا على الحسين فأبى، فقالوا لابن الزبير: هات فأنت صاحبنا، فدخلوا عليه، فرحب بهم وقال: قد علمتم نظرى لكم، وتعطفى عليكم، وصلتى أرحامكم، ويزيد أخوكم وابن عمكم، وإنما أردت أن أقدمه باسم الخلافة، وتكونوا أنتم تأمرون وتنهون، فسكتوا، فقال: أجيبونى، فسكتوا، فقال: أجيبونى، فسكتوا، فقال لابن الزبير:
هات فأنت صاحبهم، قال: نخيرك بين إحدى ثلاث، أيها أخذت فهى لك رغبة، وفيها خيار: إن شئت فاصنع فينا ما صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبضه الله ولم يستخلف أحدا، فرأى المسلمون أن يستخلفوا أبا بكر، فدع هذا الأمر، حتى يختار الناس لأنفسهم، وإن شئت فما صنع أبو بكر، عهد إلى رجل من قاصية قريش، وترك من ولده ومن رهطه الأدنين من كان لها أهلا، وإن شئت فما صنع عمر، جعلها شورى فى ستة نفر من قريش يختارون رجلا منهم، وترك ولده وأهل بيته، وفيهم من لو وليها لكان لها أهلا، فقال معاوية: هل غير هذا؟ قال لا، ثم قال للآخرين: ما عندكم؟ قالوا: نحن على ما قال ابن الزبير، فقال معاوية إنى أتقدم إليكم وقد أعذر من أنذر، إنى قائم فقائل مقالة فإياكم أن تعترضوا على حتى أتمها، فإن صدقت فعلى صدقى، وإن كذبت فعلى كذبى، وأقسم بالله لئن رد على رجل منكم كلمة فى مقامى هذا لا ترجع إليه كلمته حتى يضرب رأسه، فلا ينظر امرؤ منكم إلا إلى نفسه، ولا يبقى إلا عليها، وأمر أن يقوم على رأس كل رجل منهم رجلان بسيفيهما، فإن تكلم بكلمة يرد بها عليه قوله قتلاه، وخرج وأخرجهم معه، حتى رقى المنبر، وحف به أهل الشأم، واجتمع الناس، فقام خطيبا. فقال بعد حمد الله والثناء عليه: إنا وجدنا أحاديث الناس ذات عوار «العوار مثلثة: العيب» قالوا إن حسينا وابن أبى بكر وابن عمر وابن الزبير لم يبايعوا ليزيد، وهؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم، لا نبرم أمرا دونهم، ولا نقضى أمرا إلا عن مشورتهم، وإنى دعوتهم فوجدتهم سامعين مطيعين، فبايعوا وسلموا وأطاعوا.-

<<  <  ج: ص:  >  >>