للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كهلا ضالعا، فواحزناه (١) عليك (يزيد)! ويا حرّ صدر المثكل بك، ما أشمت فتيان بنى هاشم! وأذلّ فتيان بنى عبد شمس (٢) عند تفاوض المفاخر ودراسة المناقب! فمن لصلاح ما أفسدت، ورتق ما فتقت؟ هيهات! خمشت. (٣) الدّربة وجه التصبّر بك، وأبت الجناية إلا تحدّرا على الألسن، وحلاوة على المناطق، ما أربح فائدة نالوها، وفرصة انتهزوها!

انتبه (يزيد) للّفظة (٤)، وشاور الفكرة، ولا تكن إلى سمعك أسرع من معناها إلى عقلك واعلم أن الذى وطّأك (٥) وسوسة الشيطان، وزخرفة السّلطان، مما حسن عندك قبحه، واحلولى عندك مرّه، أمر شركك فيه السّواد (٦)، ونافسكه الأعبد، لا لأثرة تدّعيها أوجبتها لك الإمرة، وأضعت بها من قدرك، فأمكنت بها من نفسك، فكأنك شانئ (٧) نفسك، فمن لهذا كلّه؟


(١) جاء فى شرح التبيان للعكبرى على ديوان المتنبى ج ٢ ص ٢٥٥ عند الكلام على قوله:
وا حر قلباه ممن قلبه شبم ... ومن بجسمى وحالى عنده سقم
واستجلب هاء السكت (فى واحر قلباه) وثبتها فى الوصل كما تتبت فى الوقف، والعرب تفعل ذلك كقراء: ابن ذكوان «فبهداهم اقتدهى» بكسر الهاء وإثبات الياء وصلا، وكقراءة هشام بكسر الهاء. وحرك الهاء أبو الطيب لسكونها وسكون الألف قبلها، وللعرب فى ذلك أمران: منهم من حرك بالضم تشبيها بهاء الضمير، وأنشدوا: «يا مرحباه بحمار أعفرا» ومنهم من يحرك بالكسر على ما يوجد كثيرا فى الكلام عند التقاء الساكنين، وأنشدوا:
يا رب يا رباه إياك أسل ... عفراء يا رباه من أقبل الأجل
فى كلام كثيرا رجع إليه هنالك، وانظر أيضا خزانة الأدب للبغدادى ج ٤: ص ٥٩٢ ولسان العرب ج. ٢: ص ٣٧٠، ومما أورده صاحب اللسان فى ذلك قول قيس العامرى فى ليلى:
فناديت يا رباه أول سألتى ... لنفسى ليلى ثم أنت حسيبها
قال وهو كثير فى الشعر، وليس شىء منه بحجة عند أهل البصرة.
(٢) يعنى قومه، فهو معاوية بن أبى سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس، والتفاوض الاشتراك فى كل شىء، والمجاراة فى الأمر. والمناقب: المفاخر جمع منقبة بفتح الميم والقاف.
(٣) خمشت: خدشت، والدربة: العادة والجرأة على الأمر، والمعنى دربتك على اجتراح المعاصى والسيئات.
(٤) هكذا فى الأصل، وربما كانت «للعظة».
(٥) أى لينك وسهل عليك الانغماس فى الشهوات.
(٦) السواد من الناس: عامتهم.
(٧) شانئ: مبغض.

<<  <  ج: ص:  >  >>