(٢) وذلك أن عباس بن سهل لما وافى الرقم، وجد ابن ورس على الماء قد عبى أصحابه تعبية القتال، فدنا منهم فسلم عليهم، ثم قال: اخل معى هاهنا فخلابه، فقال له: رحمك الله، ألست فى طاعة ابن الزبير؟ فقال له ابن ورس: بلى، قال: فسر بنا إلى عدوه هذا الذى بوادى القرى، فإن ابن الزبير حدثنى أنه إنما أشخصكم صاحبكم إليهم، قال ابن ورس: ما أمرت بطاعتك، إنما أمرت أن أسير إلى المدينة، فإذا نزلتها رأيت رأيى، قال له ابن سهل: فإن كنت فى طاعة ابن الزبير فقد أمرنى أن أسير بك وبأصحابك إلى عدونا الذين بوادى القرى، فقال له ابن ورس: ما أمرت بطاعتك وما أنا بمتبعك دون أن أدخل المدينة، ثم أكتب إلى صاحبى فيأمرنى بأمره، فلما رأى عباس بن سهل لجاجته عرف خلافه، فكره أن يعلمه أنه قد فطن له، فقال: فرأيك أفضل، اعمل بما بدالك، فأما أنا فسائر إلى وادى القرى، ثم جاء ابن سهل فنزل بالماء، وبعث إلى ابن ورس بجزائر كانت معه (جمع جزور) فأهداها له، وبعث إليه بدقيق وغنم مسلخة، وكان ابن ورس وأصحابه قد هلكوا جوعا، فبعث عباس بن سهل إلى كل عشرة منهم شاة. فذبحوها واشتغلوا بها واختلطوا على الماء، وترك القوم تعبيتهم، وأمن بعضهم بعضا، فلما رأى ابن سهل ما هم فيه من الشغل جمع من أصحابه نحوا من ألف رجل من ذوى البأس والنجدة، ثم أقبل نحو فسطاط ابن ورس، فلما رآهم ابن ورس مقبلين إليه نادى فى أصحابه. فلم يتواف إليه مائة رجل، فما اقتتلوا إلا شيئا ليس بشىء حتى قتل ابن ورس وكثير من أصحابه.