للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونزل «الزّاوية» (١) وخلّى البصرة لأهل العراق فنزلوها، وبايع ابن الأشعث على حرب الحجاج وخلع عبد الملك، جميع أهلها، ودارت رحى الحرب، فانهزم أهل الشام فصبروا وصدقوا القتال حتى انتصروا، وانهزم جيش ابن الأشعث، فأقبل نحو الكوفة حتى دخلها فبايعه أهلها، وأقبل الحجاج بجيوشه نحوها فنزل دير قرّة، فخرج ابن الأشعث إلى دير الجماجم (٢)، واجتمع أهل العراق جميعا على حرب الحجاج، جمعهم عليه بغضهم وكراهيتهم له، واشتد القتال بين الفريقين، وأراد عبد الملك أن يترضّى أهل العراق، فبعث يعرض عليهم عزل الحجاج عنهم، وأن ينزل ابن الاشعث أىّ بلد من العراق شاء، يكون عليه واليا ما دام حيا، وكان عبد الملك واليا، فلم يأت الحجاج أمر قطّ كان أشدّ عليه، ولا أغيظ له، ولا أوجع لقلبه منه، مخافة أن يقبلوا فيعزل عنهم، فكتب إلى عبد الملك:

«يا أمير المؤمنين، والله لئن أعطيت أهل العراق نزعى، لا يلبثون إلا قليلا حتى يخالفوك ويسيروا إليك، ولا يزيدهم ذلك إلا جرأة عليك، ألم تر وتسمع بوثوب أهل العراق مع الأشتر على ابن عفّان؟ فلما سألهم: ما يريدون؟ قالوا: نزع سعيد ابن العاص (٣) فلما نزعه لم تتمّ لهم السّنة حتى ساروا إليه فقتلوه، إن الحديد بالحديد يفلج (٤)، خار (٥) الله لك فيما ارتأيت، والسلام عليك».

فأبى عبد الملك إلا عرض ذلك على أهل العراق إرادة العافية من الحرب، فجمعهم عبد الرحمن، وحثّهم أن ينتهزوا تلك الفرصة، ويقبلوا ما عرض عليهم، فأبوا وركبوا رءوسهم، وقالوا: لا والله لا نقبل، وأعادوا خلع عبد الملك ثانية، وبرزوا للقتال، فوقعت بينهم وبين الحجاج بدير الجماجم مواقع هائلة استمرت مائة يوم، وانتهت بهزيمة ابن الأشعث وجنده (فى ١٤ من جمادى الآخرة سنة ٨٣).

(تاريخ الطبرى ٨: ١٦)


(١) موضع قرب البصرة.
(٢) بظاهر الكوفة، ودير قرة بإزائه.
(٣) انظر ص ٢٧١ من الجزء الأول.
(٤) أى يشق ويقطع.
(٥) أى جعل لك فيه الخير.

<<  <  ج: ص:  >  >>